كتاب “تحف العقول”، من تأليف الشيخ أبي محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (ق 4هـ)، وقد قيل بصحّة هذا الكتاب رغم كون مرويّاته فيه مرسلة، وقد يقال بإمكان توثيق رواته بالمطابقة مع سائر الكتب التي خرّجت رواياته مسندةً.
وقد فُهم من مقدّمة هذا الكتاب أنّ رواياته بأجمعها مأخوذة من الثقات عن الأئمّة، وبهذا يصحّ كتابه على مناهج المتأخّرين، ويوثق رواته أيضاً بالطريقة التي اعتمدت في مثل كتب كامل الزيارات وتفسير القمي وغيرهما. حتى قال السيد محمد صادق الروحاني: «وأمّا تحف العقول، فأقول: لا ينبغي التوقّف في أنّ الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة صاحب كتاب تحف العقول جليل القدر عظيم المنزلة، وكتابه هذا جليل، وأنّه معتمد عليه عند الأصحاب، كما صرّح بذلك كلّه أئمّة الفن». كما أنّ الحرّ العاملي والشيخ المجلسي جعلا هذا الكتاب من مصادر كتابيهما الكبيرين: تفصيل وسائل الشيعة وبحار الأنوار.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم وجود تصحيح عام لروايات هذا الكتاب، وعدم وجود توثيق عام لرواته، بل إنّ ابن شعبة الحرّاني نفسه لم يُذكر في كتب المتقدّمين الشيعة ولا السنّة، فلم يترجمه أصحاب الفهارس والتراجم والرجال، ولم يرد في الطرق والأسانيد والإجازات ولا غيرها. وأقدم النصوص المتعرّضة له جاءت عند المتأخّرين، وأقدمها في القرن العاشر الهجريّ، وهذا أمرٌ يدعو للتساؤل والريب الكبيرين. بل حتى أصحاب الفهارس وكتب الرجال اللاحقة كابن شهر آشوب والشيخ منتجب الدين والعلامة الحلي وغيرهم، لم يشيروا له إطلاقاً، ولم نجد نقلاً عنه حتى القرن العاشر الهجري! حيث يبدأ الاسم والكتاب بالظهور مع الشيخ حسين البحراني ومن بعده.
يشار إلى أنّ غير واحدٍ من الباحثين كالسيد حسين مدرّسي طباطبائي يحتمل كون الكتاب من كتب المذهب النصيري، وتُعرف كتب ابن شعبة وتتداول اليوم بين العلويّين في بلاد سوريا وغيرها، وقد حُقّق له كتاب طُبع في السنوات الأخيرة تحت عنوان (جامع أسرار الدين) يشي بعدم كونه إماميّاً غير نصيري، كما ونسبت له رسالة للحسين بن حمدان الخصيبي، وقيل بأنّ له أخاً اسمه محمد بن شعبة. وهناك من يرى أنّه غير نصيري، وإنّما إمامي لكنّه عاش بين العلويّين والنصيريّين في بلاد حران والشام لدعوتهم إلى المذهب الإمامي، وأنّه لهذا تراجعت معروفيّته بين الإماميّة وأمثالهم.
كما أنّ نسخة الكتاب التي بين أيدينا اليوم ليس في أيّ موضع منها أنّ هذا الكتاب هو لابن شعبة الحراني، لا في المقدّمة ولا في الخاتمة ولا غيرهما، ونسخه المخطوطة حالياً ترجع إلى القرن العاشر الهجري، كنسخة مركز إحياء التراث برقم 2/3398، والتي قد تكون أقدم أو من أقدم نسخه المخطوطة، وتعود لعام 983هـ.
وعليه، فروايات هذا الكتاب من المراسيل غير الحجّة ما لم تعتضد بعاضد، وفاقاً للعديد من العلماء المتأخّرين الذين يرون الرأيَ نفسه.
وقد بحثتُ حول هذا الكتاب ومؤلِّفه، وذلك في كتابي: (منطق النقد السندي 1: 624 ـ 632، الطبعة الأولى، 2017م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 19 ـ 7 ـ 2022م