ثمّة كتاب مطبوع اليوم ومعروف ومتداول، يسمّى بكتاب الاختصاص، وهو منسوب إلى الشيخ المفيد (413هـ)، وهو كتاب يتضمّن الكثير من الروايات في موضوعات متنوّعة، ويتضمّن معلومات تاريخيّة ترتبط بالتاريخ العام وبالسيرة، ومنها روايات ارتداد الناس بعد النبيّ إلا عدد قليل، وروايات الهجوم على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام، وغير ذلك من موضوعات متفرّقة ومهمّة.
وقد انقسم العلماء والباحثون في أمر مؤلِّف هذا الكتاب إلى آراء:
الرأي الأوّل: وهم الذين يرون أنّ المؤلّف هو الشيخ المفيد، ومن أبرز هؤلاء العلامة المجلسي، الذي صرّح في مقدّمات البحار بالقول: «وأمّا كتاب الاختصاص، فهو كتابٌ لطيف مشتمل على أحوال أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله، والأئمّة عليهم السلام، وفيه أخبار غريبة، ونقلته من نسخة عتيقة، وكان مكتوباً على عنوانه: كتابٌ مستخرج من كتاب الاختصاص تصنيف أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران رحمه الله. لكن كان بعد الخطبة هكذا: قال محمد بن محمد بن النعمان: حدّثني أبو غالب أحمد بن محمد الزراري وجعفر بن محمد بن قولويه إلى آخر السند، وكذا إلى آخر الكتاب يبتدئ من مشائخ الشيخ المفيد، فالظاهر أنّه من مؤلّفات المفيد رحمه الله». ومن هؤلاء أيضاً الحرّ العاملي كما يظهر من بعض كتبه، والسيد هاشم البحراني، والشيخ يوسف البحراني، والسيد محسن الحكيم. وقد دافع السيّد جعفر مرتضى العاملي وآخرون عن هذا الرأي.
لكنّ بعض العلماء خالفوا هذا الرأي بوضوح ومنهم: السيّد الخوئي والسيد موسى الزنجاني وغيرهما. وممّن رفض هذه النسبة أيضاً الدكتور محمّد باقر البهبودي في تعليقاته على البحار.
الرأي الثاني: إنّ الكتاب من تأليف أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران، المعاصر للشيخ الصدوق. وقد ذهب إلى هذا الرأي غيرُ واحد، مثل ضامن بن شدقم الحسيني المدني (1082هـ). لكنّ الآغا بزرك الطهراني والسيد محسن الأمين العاملي ذهبا إلى أنّ هذا الكتاب الموجود بين أيدينا هو عين كتاب العيون والمحاسن للمفيد، وخطبة الكتابين واحدة، وأنّ الأصل هو لابن عمران، لكنّ الموجود هو المختصر للمفيد.
الرأي الثالث: إنّ الكتاب لجعفر بن الحسين المؤمن، ولم يتمّ التحقّق من قائل هذا الرأي، لكن ذكره السيد إعجاز حسين الكنتوري.
الرأي الرابع: ما ذكره بعض الباحثين المعاصرين، وهو الدكتور حسن الأنصاري، من أنّ الكتاب يرجّح أن يكون دفتراً لأحد المشتغلين بالحديث، جمع فيه متفرّقات حديثيّة من كتب كانت عنده ليستعين بها لاحقاً في تصنيفاته، وهذا ما يبرّر كلّ هذا الإرباك الموجود في الكتاب. ثم حاول هذا الباحث تقطيع الكتاب ليجعله متفرّقات بهذا النحو.
والذي توصّلتُ إليه ـ بعد دراسة الشواهد التي قدّمها كلّ فريق ـ أنّه لا يوجد دليل مقنع يُثبت انتساب هذا الكتاب للشيخ المفيد، ولا لشيخٍ آخر ثابت الوثاقة والعلم. بل لو ثبت أنّه للمفيد فإحراز صحّة النسخة التي بين أيدينا وتطابقها مع نسخة الكتاب الأصل ليس بالأمر السهل أيضاً، ومن ثمّ فلا يمكن الاستناد لمرويّات هذا الكتاب، ما لم تعتضد بعاضد.
ولمزيد توسّع، راجع كتابي (منطق النقد السندي 2: 184 ـ 192، الطبعة الأولى، 2020م).
حيدر حبّ الله
السبت 4 ـ 6 ـ 2022م