يعتبر دعاء الجوشن الكبير ـ المرويّ عن الإمام زين العابدين بسنده إلى رسول الله‘ ـ من الأدعية المشهورة المتداولة بين الناس، وتعتبر قراءته من مستحبّات أو من أعمال ليلة القدر المباركة عندهم. وقد كتب بعض العلماء شروحاً على هذا الدعاء، منهم العلامة المجلسي (1111هـ)، كما اهتمّ بشرحه الحكيم السبزواري (1289هـ) فصنّف في ذلك كتابه الشهير (شرح الأسماء الحسنى). وقد حكم بعض الفقهاء باستحباب كتابة الجوشن الكبير على الكفن.
والذي توصّلت إليه هو عدم ثبوت نسبة هذا الدعاء إطلاقاً، فهو في نفسه معتمدٌ على رواية ضعيفة جدّاً، ومتأخّرة زماناً، كما لم يثبت استحباب كتابته على الكفن، ولم يثبت أيضاً كونه من الأعمال الخاصّة بشهر رمضان المبارك، فضلاً عن أن يكون من أعمال ليلة القدر، فلا يصحّ اعتماده مستَنَداً في قضايا عقائديّة أو فلسفية أو غيرها. وقاعدة التسامح في أدلّة السنن غير ثابتة.
لكنّ هذا لا يمنع من الدعاء به ما دام لا يحتوي على أيّ مضمونٍ فاسد، كما هي القاعدة في الأدعية عموماً (هناك بعض الملاحظات على بعض الأسماء والصفات المذكورة فيه من حيث دقّة توصيف الله سبحانه بها، فلا نطيل)، لكن إذا أحبّ بعضُ المؤمنين ـ بشكلٍ فردي أو جماعي ـ اعتماد دعاء آخر في ليالي القدر المباركة، فهذا أمر يرجع إليهم ولا ضير في ذلك ما لم ينسبوه بعنوانه للدين فيما لا يكون دليل صحيح على هذه النسبة. بل إنّ أغلب ما يعتبر بين الناس من الأعمال الخاصّة بليالي القدر لم يقم عليه بعنوانه دليلٌ معتبر، إنّما الثابت في هذه الليالي هو عنوان مطلق الإحياء والصلاة والذكر والدعاء وأمثال ذلك.
وقد ألمح إلى دعاء الجوشن عموماً السيدُ ابن طاووس (664هـ) في كتابه (مهج الدعوات: 217 ـ 232)، من دون أن يكون هناك وضوح إطلاقاً في كونه يقصد دعاء الجوشن الكبير. وعليه فالمعروف بين العلماء والباحثين ـ وهو الصحيح ـ أنّ المصدر الأساس والأقدم لهذا الدعاء الموجود بين أيدينا اليوم يرجع للقرن العاشر الهجري، وهو الشيخ الكفعمي (905هـ)، حيث ذكره في كتابيه: (المصباح: 247، والبلد الأمين: 402)، وعنه نقل العلامة المجلسي والمحدّث النوري وغيرهما هذا الدعاء فصار مشهوراً اليوم. بل علّق المجلسي فقال: «ومن الأدعية المعروفة دعاء الجوشن الكبير وهو مرويّ عن النبيّ‘ رواه جماعة من متأخّري أصحابنا رضوان الله عليهم» (بحار الأنوار 91: 382)، وتعبيره بـ «متأخّري أصحابنا» مشيرٌ لعدم وجود هذا الدعاء أصلاً بين المسلمين في القرون الأولى. وهذا يعني أنّ هذا الدعاء لا أثر له قبل القرن العاشر الهجري، والكفعمي وغيره لم ينقلوا له أيّ مصدر فضلاً عن أيّ سند على الإطلاق! ومن الواضح أنّ هذا الدعاء لا عينَ له ولا أثر في كتب الحديث أو الآداب عند عموم المسلمين من سائر المذاهب.
وقد أقرّ الشيخ عباس القمي (1359هـ) بعدم ورود حديث أصلاً في قراءة هذا الدعاء لخصوص ليالي القدر، بل هو شامل عنده لكلّ ليالي شهر رمضان (مفاتيح الجنان: 125)، رغم أنّ بعض الإشارات للمجلسي في (زاد المعاد: 127) قد توحي أنّه اعتَبَره من أعمال ليالي القدر.
هذا، وقد تحدّث السيد علي السيستاني في جوابٍ له بما يتعلّق بهذا الدعاء، وهذا نصّه: «السؤال: ما مدى صحّة الرواية على أنّ دعاء الجوشن قد هبط به جبرائيل على النبيّ‘؟ وهل ذكر الدعاء به في خصوص ليالي القدر؟ الجواب: لم ترد بهذا المضمون رواية صحيحة، ولكن المناط في جواز قراءة الأدعية ليس صحّة استنادها إلى المعصوم، بل صحّة مضامينها، فإن صحّت المضامين جازت قراءتها حتى لو لم يعلم استنادها إلى المعصوم» (الاستفتاءات: 210).
أمّا كتابة هذا الدعاء على الكفن، فقد تعرّضتُ له سابقاً، وقلت ـ وفاقاً لغير واحدٍ من العلماء ـ: إنّه لا يوجد دليل معتبر أساساً على فكرة من هذا النوع، ولم يثبت استحباب ذلك، والعلم عند الله.
حيدر حبّ الله
الأحد 26 ـ 3 ـ 2023م