المعروف المتفق عليه بين فقهاء المذاهب الإسلاميّة أنّ من العيوب التي يختصّ بها الرجل ويثبت للمرأة بسببها حقُّ الفسخ هو العنّة، فلو لم يقدر الرجل بسبب العنّة على مقاربة زوجته، فإنّ لها حقّ الفسخ بعد رفع الأمر للقضاء للتثبّت من عدم قدرته على المقاربة حقّاً، لا أنّه عرضه عارضٌ ليوم أو يومين أو شهر أو شهرين، وقد دلّت على ذلك الأحاديث الكثيرة عند المذاهب والفرق الإسلاميّة.
والعنّة هنا سببٌ مستقلّ للفسخ، بمعنى أنّنا نتكلّم عن حقّ الفسخ من حيث العنّة، لا من حيث تدليس الزوج لو أمكن تصوّره؛ لأنّ موجبات الفسخ هنا تارةً تؤخذ بما هي مستقلّة، وأخرى تؤخذ من حيث التدليس. ونظرُنا هنا لها مستقلّةً، وإلا فلو كان هناك تدليسٌ فهو موضوعٌ آخر قد يثبت الحقُّ فيه من حيث التدليس، فانتبه.
لكنّ مشهور المذاهب الأربعة، وكذلك فقه الإماميّة، هو أنّ حقّ الفسخ يثبت للمرأة إذا لم يقدر الزوج على مقاربتها ولو لمرّة واحدة، أمّا لو قاربها الرجل ولو لمرّة واحدة طيلة فترة الزوجيّة، فإنّ حقّها في الفسخ يسقط حتى لو بقي عاجزاً عن المقاربة طيلة عمره، وعليها الصبر على ذلك.
لكنّ هذا القول المشهور ثمّة العديد من الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين خالفه، منذ الشيخ المفيد، مروراً بالشهيد الثاني، ووصولاً للعصر الحديث، ومن الفقهاء المعاصرين الذين ذهبوا لثبوت حقّ الفسخ لها في هذه الحال: السيد موسى الشبيري الزنجاني، والسيد علي السيستاني، والشيخ محمد آصف محسني، والسيد محمد حسين فضل الله، وغيرهم.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ أنّ المرأة لها حقٌّ في الفسخ بسبب العنن مطلقاً، سواء كان العنن قبل العقد أم طرأ بعده، وسواء سبق أن قاربها أم لا، وسواء كان العنن بسببٍ خلقي أو لعارض طرأ عليه، ما لم تكن عالمةً بالعنّة قبل الزواج ووافقت على الزواج على أساس علمها هذا، كما ويشترط أن لا تكون قد أسقطت حقّها بعد ثبوت العنّة ورضيت بالبقاء في كنف الزوجيّة رغم ذلك. كما أنّ ما ذكره الكثير من الفقهاء من أنّه لو أمكنه مقاربة غير زوجته لكنّه عاجز عن مقاربة زوجته لم يكن لها حقّ الفسخ، هذا القول قابلٌ للنظر، فالأقرب أنّ لها حقّ الفسخ هنا أيضاً إذا لم يكن عجزه عن مقاربتها راجعاً لتقصيرها بعدم إزالة المنفّرات.
وهذا كلّه فيما يتعلّق بحقّ الفسخ الثابت لها، أمّا لو صرفنا النظر عن حقّ الفسخ وافترضنا عدم وجوده، فإنّه قد يقال ـ كما أثاره الشيخ حسين الحلّي ـ بوجوب أن يطلّقها الزوج إذا كان في إبقائه لها ما يصنَّف خلاف الإحسان والعشرة الحسنة، انطلاقاً من بعض النصوص القرآنية والحديثيّة. وهذا موضوع آخر نتحدّث عنه لاحقاً إن شاء الله.
وثمّة تعليلات متعدّدة لهذا الأمر ـ أعني سقوط حقّ الفسخ بمجرّد المقاربة ولو مرّة واحدة ـ في الفقه السنّي تقوم على أنّه ـ مثلاً ـ لو قاربها مرّة واحدة فقد ثبت حقّها الكامل في المهر، وسقط حكم مقاربتها؛ لأنّه يجب عليه مقاربتها مرّة واحدة في العمر. ومن الواضح أنّ الحديث عن اقتصار حقّ المرأة على مقاربة واحدة في العمر ذهب إليه بعضُ فقهاء أهل السنّة، لكنّه قولٌ ضعيف وقد سبق أن بحثنا هذا الموضوع، فراجع. وأمّا أنّ حقّها يثبت في المهر كاملاً فلم تخسر شيئاً، فهذا من أنماط تعامل بعض الفقهاء مع قضيّة الزواج كصفقة جنسيّة تجاريّة ـ وأعتذر من هذا التعبير، مع احترامي لهم جميعاً ـ فاقدة لأيّ مضمون روحي أو إنساني علائقي، مع أنّ الزواج وفقاً لجملة من نصوص الكتاب والسنّة يفوق مجرّد الصفقة الماليّة مقابل تسليم الجسد. وفي تقديري يلزم على الفقه الإسلامي إعادة تعريف مفهوم الزواج في ضوء كليّات ومفاصل الأحكام الواردة في الكتاب والسنّة، قبل أن يبحث في الأحكام التفصيليّة الجزئية هنا وهناك.
أمّا شيعياً، فالمستند لديهم في إسقاط حقّها بمقاربة واحدة، هو بعض الروايات مثل خبر عباد (غياث) الضبّي، وخبر السكوني. وهذه الروايات ضعيفة السند على التحقيق، قليلة العدد لا يُحتجّ بها، وقد اعترف بضعفها السندي بعض الفقهاء المتأخّرين.
بل أعتقد بأنّ تحليل نصوص باب العيوب يشرف بالإنسان على الوثوق بأنّ أحد المعايير هو ثبوت الحقّ الجنسي للطرفين (والمعيار الآخر نفي الضرر الآتي من العيب الثابت في الآخر)، فلو انتفى هذا الحقّ كان الفسخ ثابتاً، يؤيّد ذلك بعمومات وكليات الشريعة من نفي الضرر والحرج وغير ذلك. والتفصيل في محلّه.
حيدر حبّ الله
الجمعة 22 ـ 4 ـ 2022م