ذكر الكثير من الفقهاء أنّ السائل بكفّه ـ وشرحه غير واحدٍ بأنّه الشخص الذي اتخذ السؤال وطلب المال من الناس حرفةً له ـ لا تقبل في شهادتُه في المحاكم مطلقاً، وقد نُسب ذلك إلى الإجماع والاتفاق.
والذي توصّلتُ إليه أنّه لا موضوعيّة لعنوان السائل بكفّه، بل العبرة بكونه مؤتمناً على الشهادة أو لا، فلو كانت غالبيّة السائلين بحيث تعطيهم طبعاً يستعدّون معه لشهادة الزور بدفع المال لهم أو بالعكس، سقطت حجيّة شهادتهم، تماماً مثل سقوط حجيّة بعض الشهادات التي تجرّ نفعاً، وإلا فهي حجّة. فليس هناك حكمٌ مطلق هنا، بل هو تطبيق للحكم الأصل وللقاعدة العقلائيّة والشرعيّة المشار إليها آنفاً في باب الشهادات.
وذلك أنّ النصوص العمدة في هذا السياق، يُفهم من بعضها تعليلٌ في غاية الأهميّة، كما فيما ما ورد في خبر محمّد بن مسلم؛ حيث علّل الإمام محمّد الباقر هذا الحكمَ النبويَّ بردّ شهادة السائل بكفّه، بالقول: «لأنّه لا يؤمن على الشهادة؛ وذلك لأنّه إن أُعطي رضي وإن منع سخط»، فهذا التعليل يفهمنا أنّ القضية ليست حكماً تعبّديّاً مطلقاً قائماً بنفسه، بل هو تطبيق لقاعدة الائتمان على الشهادة، فإنّ السائلين يغلب عليهم ـ في ذلك الزمان على الأقلّ ـ أنّهم عرضة لأن يُباعوا ويشتروا من خلال المال، وأنّهم ينساقون لشهادة الزور انطلاقاً من منع العطاء عليهم، فهذا التعليل يعيق ـ باستخدام “المنهج الانضمامي في الوثوق الاطمئناني” والذي تحدّثنا عنه سابقاً ـ يعيق عن الوثوق بانعقاد إطلاقات في النصوص، ويضيق من دائرتها على ما بحثناه في كتاب “الاجتهاد المقاصدي والمناطي”، عندما تحدّثنا عن حجيّة التعليل والموقف منه، في مقام تضييق الحكم، ولو كان ظنيّاً، فراجع.
وقد كثرت الروايات في كتب الحديث عند المسلمين حول سلب بعض الأشخاص حقّ الشهادة في المحكمة. ولو راجعنا مجمل هذه الروايات بصحيحها وضعيفها لفهمنا أنّ مقداراً معتدّاً به منها هو تطبيق لقاعدة الائتمان على الشهادة أو تحكيم لجانب حصول الوثوق بالشهادة، فراجع، تلاحظ ذلك.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 4 ـ 10 ـ 2022م