عُرّف الخبر الحَسَن عند الإماميّة القائلين بالتقسيم الرباعي، بأنّه ما اتّصل سنده بنقل إماميٍّ ممدوح بغير تعديل، أي أن يكون قد مُدح لكنّه لم يُنصّ على عدالته، وقيل غير ذلك. فالفارق الجوهري بين الصحيح والحسن هو العدالة.
أمّا عند أهل السنّة، فيُعدّ تعريف الحديث الحَسن من الأمور التي وقع التباسٌ وجدل فيها، فعرّفه بعضهم بأنّه ما عُرف مخرجه واشتهر رجاله، وعرّف أيضاً بأنّه الحديث الذي اشتهر رواته بالصدق والأمانة لكن لم يبلغوا مستوى الضبط الذي عند رجال الحديث الصحيح، وكان للترمذي (279هـ) تعريفٌ منتسب له هنا اعتمده، وهو الذي لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب ولا يكون حديثاً شاذاً، ويُروى من غير وجه، وغير ذلك من التعريفات التي يجمعها أنّ الحسن أقلّ من الصحيح، وأنّ رواته لم يبلغوا رتبة العدل الضابط.
ولم يظهر مصطلح الحديث الحَسَن عند الإباضيّة إلا متأخّراً وبشكل محدود، على ما يفيده بعض الباحثين.
والذي توصّلتُ إليه هو أنّه:
1 ـ أمّا على مسلك حجيّة الخبر الموثوق الاطمئناني الذي نعتقد به، فإنّ العبرة في قيمة الحديث الحسن قائمة بحصول حالة الوثوق في نفس الفقيه أو الباحث نتيجة مقاربة متواشجة تتصل بالمتن والسند والمصدر معاً، فإذا تعاضدت الشواهد في الخبر الحسن وبلغت هذه الدرجة كان حجّة وإلا فلا. فالخبر الحسن كالصحيح، بل أوضح منه في بعض الحالات، من حيث إنّه لا يفيد في نفسه العلم بالصدور عادةً، بل يحتاج لقرائن وشواهد، فإذا بلغت صفاته وحالاته مبلغ العلم العقلائي كان حجّةً، وإلا فلا يكون كذلك.
2 ـ وأمّا على مسلك حجية خبر الواحد الظنّي الذي لا نؤمن به:
أ ـ فإذا جعلنا الحديث الحسن هو حديث الثقة ولو لم يكن عدلاً، فإنّ الأصحّ هو الحجيّة؛ لأنّ الصحيح على نظرية حجية الخبر الظنّي هي حجيّة خبر الثقة دون حاجة للعدالة.
ب ـ وأمّا تعريف الترمذي للخبر الحسن، فلا حجيّة له؛ لأنّ مجرّد عدم اشتهار الرواة بالكذب، وعدم وجود شذوذ في الرواية، لا يجعل الخبر خبر ثقةٍ أو خبر عدلٍ، ليكون مصداقاً لما دلّ دليل الحجيّة على حجيّته، ما لم يبلغ رتبة الوثوق الاطمئناني.
ج ـ أمّا إذا جعلنا المعيار في الحديث الحسن هو كون ولو أحد رواة الحديث الحسن ممدوحاً، كما هي الحال في التعريف الإمامي للحديث الحسن، فلا دليل على حجيّته ما لم يكن المدح موجباً لثبوت الوثاقة للراوي لا مطلق المدح، فإنّ للمدح أشكالاً وجهات، ولا يؤول كلّ مدحٍ للتوثيق أو التعديل خلافاً لما تصوّره بعضٌ. وقد ذهب المحقّق الأردبيلي إلى أنّ الحسن ليس بحجّة، ونصّ الشهيد الثاني وغيره على أنّ الأكثر ردّوا الخبر الحسن، بل ذكر النجفي الطهراني بأنّ عدم الحجية في نفسه هو المشهور بيننا، بل كاد يكون إجماعاً.
وقد حاول بعض العلماء ذكر أدلّة مستقلّة أو شاملة لحجيّة الخبر الحَسن الذي لم تثبت وثاقة الراوي فيه ولا عدالته، وقد ناقشناها بالتفصيل في محلّه.
ولمزيد توسّع، راجع كتابي (الحديث الشريف، حدود المرجعيّة ودوائر الاحتجاج 1: 317 ـ 334، الطبعة الأولى، 2017م).
حيدر حبّ الله
الخميس 16 ـ 6 ـ 2022م