تُعدّ مسألة حجيّة خبر الواحد الظنّي من أكثر البحوث أهميّةً في الاستنباط الفقهي وأعظمها تأثيراً على آليّات الاجتهاد الشرعي، بل وغير الشرعي أيضاً. والمعروف المشهور بين علماء أهل السنّة منذ قديم الأيام هو حجيّة أخبار الآحاد حتى ولو لم تكن متواترةً ولا قطعيّة الصدور. وهذا هو المعروف بين الإماميّة منذ عصر العلامة الحلي (726هـ) وإلى يومنا هذا. وقد خالف الإخباريّون في ذلك ولم يقبلوا بمرجعية الظنّ في الدين، لكنّهم في الوقت عينه غلب على العديد منهم الاعتقاد بأنّ أمّهات الكتب الحديثيّة قطعيّة الصدور في مرويّاتها، وليست أخباراً ظنيّة، ثم ظهرت بينهم تيارات أخرى أجرت تعديلات على تصوّراتهم هذه، لا نطيل بالحديث عنها هنا.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم حجيّة خبر الواحد الظنّي مطلقاً، لا في الفقه ولا في التاريخ ولا في العقائد ولا في الأخلاق، ولا في التفسير، ولا في التكوينيّات، ولا في غير ذلك، إلا في مواضع محدودة أعطت فيها الشريعة دوراً للأخبار الظنيّة ضمن ضوابط، كما في البيّنات العادلة في المحاكمات القضائيّة ونحو ذلك. وقد صنّفتُ في هذا المجال كتاباً مستقلاً توصّلتُ فيه لنقد حجيّة خبر الواحد الظنّي من جهة وتأكيد حجيّة الخبر المتواتر تارةً، وكذلك حجيّة الخبر الآحادي المحفوف بما يوجب تحصيل الوثوق والاطمئنان بصدوره أخرى، فالأخبار غير المتواترة لا يؤخذ بها ولو كانت صحيحة الإسناد ما لم تحتفّ بشواهد وعواضد ترفعها لمستوى اليقين العادي العقلائي (الاطمئنان والوثوق)، وليس بالضرورة اليقين الفلسفي البرهاني. والكتاب الذي خصّصته برمّته لدراسة هذه المسألة المفصليّة هو (حجيّة الحديث، وهو في 778 صفحة، من طباعة مؤسّسة الانتشار العربي في بيروت، عام 2016م).
بل إنّني سبق أن توصّلتُ في كتابي (نظريّة السنّة في الفكر الإمامي الشيعي، التكوّن والصيرورة: 33 ـ 164، الطبعة الأولى، 2006م)، ومن خلال دراسة تاريخية مطوّلة، إلى إثبات أنّ مشهور علماء الشيعة حتى نهايات القرن السابع الهجري، كانوا لا يؤمنون بحجيّة خبر الواحد الظنّي، وأنّ بدايات التحوّل كانت جزئيّةً مع الشيخ الطوسي (460هـ)، ليكون التحوّل الحقيقي مع العلامة الحلّي (726هـ) الذي اتهمه الإخباريّون بالتأثر بالثقافة السنيّة في هذا الموضوع وغيره.
من هنا، أعتقد بأنّ أحد أسباب وصولي شخصيّاً لنتائج فقهيّة كثيرة مخالفة للسائد هو عدم اعتقادي بحجيّة خبر الواحد الظنّي.
حيدر حبّ الله
الخميس 21 ـ 10 ـ 2021م