قيل بأنّ المشهور بين الفقهاء هو القول بثبوت الهلال (تحديد بدايات الشهور) بحكم الحاكم. وأنّ هذا الرأي يمكن أن يكون مفتاحاً لحلّ مشاكل العيد والحجّ وبدايات الشهور ونهاياتها بين المسلمين أو أبناء المذهب الواحد. والمراد به أنّ الحاكم الشرعي لو أصدر قراراً بالعيد أو ببدء شهر رمضان المبارك مثلاً، كان قراره ملزماً لجميع الناس بما في ذلك الذين لا يقلّدونه، فحكمه مثبِتٌ مستقلٌّ للهلال إلى جانب سائر وسائل إثبات الهلال شرعاً. هذا من حيث المبدأ وقد ذكروا لذلك تفاصيل وشروطاً من نوع أنّ لا يعلم المكلّف بأنّ الحاكم قد أخطأ في حكمه أو وقع ضحيّة مستند خاطئ، أو التمييز بين كون مستنده هو رؤيته بنفسه أو قيام مثل البيّنة عنده، ونحو ذلك، على تفصيلاتٍ بينهم.
وقد اختار هذا القول بين المتأخّرين جماعة كثيرة أيضاً، منهم: السيد كاظم اليزدي، والسيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد روح الله الخميني، والسيد محمّد رضا الگلپايگاني، والسيد محسن الحكيم، والسيد محمود الهاشمي، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمّد علي الأراكي، والسيد محمد تقي المدرسي، والسيد كاظم الحائري، والسيد محمّد صادق الروحاني، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والشيخ محمّد تقي بهجت، والشيخ فاضل اللنكراني، والشيخ إبراهيم الجناتي، والسيد صادق الشيرازي، والسيد علي الخامنئي، والشيخ محمد إسحاق الفياض، والشيخ محمّد اليعقوبي، والشيخ لطف الله الصافي، وغيرهم.
لكنّ بعض الفقهاء خالف في ذلك، ومنهم: المحدّث يوسف البحراني، والشيخ أحمد النراقي، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمّد الروحاني، والسيد تقي القمي، والشيخ يوسف الصانعي، والسيد محمد محمد صادق الصدر، والسيد علي السيستاني، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، وغيرهم.
والذي توصّلتُ إليه ـ بذهني القاصر ـ هو عدم ثبوت الهلال أو بدايات الشهور ونهاياتها بحكم الحاكم. نعم هنا أمران:
أ ـ إذا لزم من حكمه ـ بل حتى من إخباره ـ تحصيل حال الوثوق بثبوت الهلال أمكن الاعتماد عليه، لا لكونه حكمَ الحاكم، بل للوثوق الحاصل للمكلّف، نتيجة حكم الحاكم، بثبوت الهلال أو قيام البيّنة المعتبرة.
ب ـ لو كان حكم الحاكم منصبّاً على وجوب الإفطار أو الصيام أو الحجّ ومتصلاً ـ لسببٍ ظرفيّ ـ بالشأن العام، وكانت حكومة هذا الحاكم شاملة للشأن العام، أمكن القول بوجوب الالتزام بما قال، لكنّ ذلك عملاً، دون أن يعني ذلك ثبوت الهلال شرعاً بتمام تأثيراته، فلو أوجب الحاكمُ الصيامَ وكان ذلك شأناً عامّاً من شؤون الحياة العامّة، وجب الصوم، لا أنّ بداية شهر رمضان هو هذا اليوم حتى يجب الخمس لو كان رأس السنة بالنسبة لهذا المكلّف هي بداية شهر رمضان مثلاً، وهكذا.
وبهذا نفرّق بين كون حكم الحاكم طريقاً لثبوت الهلال مطلقاً، وهو ما ننفيه، إذ حكم الحاكم هنا لا يعدّ عقلاً ولا عرفاً ولا شرعاً من طرق إثبات الأمور الواقعيّة، ما دام لا يوجد تنازعٌ قضائي كما هو المعتاد، وبين كون حكمه بثبوت الهلال تعبيراً عن حكمه بإلزام المسلمين بالصعود لعرفات في اليوم المحدّد تنظيماً للشأن العام أو توحيداً للعيد، ففي الحالة الثانية يكون الحكم إلزاميّاً شرط كون الحاكم بثبوت الهلال ممن له الولاية المجتمعيّة ولو لم يكن فقيهاً (بناء على ثبوت الولاية التي من هذا النوع لغير الفقهاء)، لا مطلق الفقيه أو القاضي ولو لم يملك ولايةً مجتمعيّة فعليّة.
والمراد من الولاية المجتمعيّة ليس بالضرورة الدولة الدينيّة، بل السلطة التنظيمية الاجتماعيّة على تقدير ثبوتها له بالدليل الشرعي، ولو لم تكن مطلقة، فلو قلنا بأنّ المرجع الديني الأعلى له ـ بالدليل الشرعي ـ سلطة تنظيميّة لتنظيم أمور أبناء مذهبه في القضايا الدينية العامّة، والتي منها العيد مثلاً نتيجة ضرورة حكمه بذلك رفعاً للهرج والمرج أو لوقوع بعض التنازعات بين الناس في ذلك، ففي مثل هذه الحال تكون له ولاية إعلان العيد في حدود الإلزام بالإفطار، وليس مجرّد الإخبار عن ثبوت العيد عنده وبين يديه، فانتبه ولاحظ.
وينتج عن ذلك، أنّ من له الولاية المجتمعيّة العامّة (مثل الدولة) أو شبه العامّة (مثل المرجع الديني الأعلى)، يمكنه فرض تنظيم زمني لبدايات الشهور ونهاياتها للمستقبل إذا وجد أنّ عدم هذا التنظيم لعموم الناس موجب لوقوع المنازعات في التجارات والالتزامات القانونيّة نتيجة اضطراب التوقيت، وهكذا.
وتفصيل البحث في الأدلّة والشواهد خارج عن حيّز هذا المختصر، وما قدّمه القائلون بثبوت الهلال بحكم الحاكم قابلٌ للمناقشة، والعلم عند الله.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 24 ـ 8 ـ 2022م