في سياق حركة التوثيقات العامّة في علم الرجال والجرح والتعديل عند الإماميّة طرح موضوع توثيق عامّة مشايخ الشيخ أبي العباس النجاشي (450هـ)، وتبنّى هذا القول السيد بحر العلوم والسيد أبو القاسم الخوئي وغيرهما، فيما رفضه آخرون مثل الشيخ آصف محسني، والسيد تقي القمي، والسيد كاظم الحائري، والسيد محمّد رضا السيستاني، وغيرهم.
وقد ذكروا أنّ قيمة هذه النظريّة تكمن ـ بشكل أقوى ـ في أنّنا نواجه مشكلةً على صعيد مشايخ الشيخ الطوسي، فقد ورد في طرق الشيخ الطوسي في الفهرست والمشيخة المذكورة في التهذيب والاستبصار العديد من الشخصيّات التي لم نعثر لها على توثيق، وإذا لم توثّق هذه الشخصيات فتكون الكثير من الروايات ضعيفة السند؛ لأنّ طرق الفهرست والمشيخة ليست طرقاً لرواية أو روايتين، بل هي طرقٌ لرواة وكُتب، فإذا صحّ الطريق سيُسهم ذلك في تصحيح جملة روايات هذا الراوي أو ذاك، وإذا ضعُف سيضعف عدد من الروايات دفعةً واحدة، والقضيّة لها تأثير أيضاً في باب تعويض الأسانيد، كما هو معروف.
وهنا، إذا عرفنا أنّ الشيخ النجاشي والطوسي كانا زميلي دراسة، نُدرك أن الكثير من مشايخ النجاشي هم مشايخ للطوسي أيضاً، فإذا ثبتت وثاقة مشايخ النجاشي ـ بوصفه عنواناً عاماً ـ فسوف تثبت وثاقة هؤلاء بوصفهم مشايخ للطوسي، وقد وردت أسماؤهم في المشيخة والفهرست، فيتمّ تصحيح الأسانيد.
وقد أُحصيت أسماء مشايخ النجاشي فبلغت ستين اسماً، إلا أنّ بينها تكرارات، بل في بعضها لا يحرز أنّه شيخ له؛ لاحتمال التعبير بصيغة الإرسال فيها جداً، حيث لم تصدّر بمثل: أخبرنا أو حدّثنا ونحو ذلك، وقد كان المحدّث النوري قد أحصاها بلا تكرار فبلغت عنده حوالي 32 اسماً.
وقد اعتمد القائلون بهذه التوثيق العام على نصوص للشيخ النجاشي نفسه فهموا منها أنّ مشايخه كلّهم ثقات إلا ما خرج بالدليل.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم صحّة هذا التوثيق العام، بل غاية ما ثبت عندي هو تعهّد النجاشي بعدم الرواية والسماع عمّن تحوم حوله الكلمات والطعون والغمز في الأوساط الشيعيّة، أو يراه هو ضعيفاً، لا بعدم التلمّذ على مجاهيل الحال الذين لا يوجد حولهم كلام أو يُترقّب الكلام فيهم، فالتوثيق العام هنا قليل الفائدة، فقد تظهر فائدته فيما لو ضعّف الطوسي شخصاً كان من مشايخ النجاشي، فإنّ كونه شيخاً للنجاشي يفيد شهادة ضمنيّة للنجاشي بعدم ضعفه، فيتعارض مع شهادة الطوسي بضعفه، وقد يتساقطان، فيُرجع ـ مثلاً ـ لمن شهد بوثاقته لو كان، أو يدرج حديثه في المجهول لا في المرويّ عن ضعيف، إن لم نقل بأنّ النجاشي قد يكون تركه بعد أن علم ضعفه ولم يخبرنا، إذ لم يتعهّد بإخبارنا بأسماء كلّ شيوخه الذين تركهم لهذا السبب، فتأمّل جيّداً.
وقد بحثتُ بالتفصيل حول توثيق مشايخ النجاشي، وذلك في كتابي (منطق النقد السندي 1: 334 ـ 348، الطبعة الأولى، 2017م).
حيدر حبّ الله
الأربعاء 28 ـ 9 ـ 2022م