محمد بن مسعود العيّاشي السلّمي السمرقندي من أبرز علماء الإمامية الكبار في القرن الثالث والرابع الهجريّين، وهو شيخ الشيخ الكشي صاحب كتاب معرفة الرجال، وكانت داره حوزةً علمية كبيرة تخرّج منها عددٌ وافر من طلبة العلوم الدينية، وهو من الرواة المعروفين ممّن يقع اسمه في سند الكثير من الروايات. ورغم توثيق العياشي وجلالته إلا أنّ الشيخ النجاشي ذكر ـ كما ذكر في حقّ تلميذه الكشي ـ أنّه يروي عن الضعفاء كثيراً.
وللعياشي تفسيرٌ متداول منذ زمن بعيد، ويُعدّ من أشهر التفاسير الروائيّة الشيعيّة القديمة، وقد طُبع أكثر من مرّة وترجم إلى غير العربيّة، كما كتب العلامة المفسّر الطباطبائي مقدّمة مختصرةً له. وقد وقع كلامٌ بين العلماء في قيمة المرويّات التفسيريّة التي يقدّمها هذا الكتاب، من جهة خلوّه عن ذكر الأسانيد بشكل تامّ ـ إلا ما لا يزيد عن أصابع اليدين ـ بحيث لا يتبيّن لنا من أين حصل على هذه المرويّات. وقد قيل بأنّ الكتاب الأصل كان حاوياً للإسناد لكنّ بعض النسّاخ حذف هذه الأسانيد للاختصار أو نحوه فضاعت النسخة الأصليّة، ومع الأسف فالكتاب الذي بين أيدينا اليوم غير مكتمل أيضاً؛ بمعنى أنّه يصل لسورة الكهف فقط.
والذي توصّلتُ إليه هو أنّ هذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم مرسل، بل في بعض رواياته مواضع في المتن تستحقّ التأمّل والنقد، لكنّه بالإمكان اكتشاف أسانيد بعض رواياته من خلال مقارنات مع المصادر الحديثية والتفسيريّة الأخرى. من هنا، تبرز الضرورة لمراجعة كلّ روايات العياشي في مصادر الحديث الشيعيّة والسنّية، فلعلّه يعثر من بينها على روايات تفسيريّة تطابق ما جاء في التفسير الموجود بين أيدينا، وتكون مسندةً في المصادر الأخرى. وقد نقل الحاكم الحَسْكاني ( بعد 470هـ) في كتابه «شواهد التنزيل» عن تفسير العياشي في مواضع عديدة، تماماً كما نقل الطبرسي وابن شهرآشوب وغيرهما من بعدهما. ويعدّ تفسير الحسكاني من التفاسير التي تمّ فيها انتقال الرواية الشيعيّة التفسيريّة للمصادر التفسيريّة السنيّة، بناءً على القول بعدم تشيّع الحسكاني، خلافاً لما ذكره بعض علماء أهل السنّة، من تشيّع الحسكاني، انطلاقاً من مرويّاته ومدوّناته وغير ذلك.
وعندما نقول بإرسال روايات تفسير العياشي أو غيره أو عدم صحّتها، فهذا لا ينفي إمكان الاستفادة منها في جوانب أخَر أو ضمّها لمرويّات أخر بهدف التعاضد، ومن الجوانب الأخرى المفيدة دراسة علم التفسير وتطوّراته بين الشيعة في القرون الأولى، وتحليل المزاج التفسيري العام لديهم من خلال مرويّاتهم، هذا طبعاً إذا لم يناقش أحد في صحّة النسخة الواصلة إلينا من تفسير العياشي.
هذا، وقد تعرّضت لهذا التفسير في مناسبات متعدّدة، ومنها كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 1: 464 ـ 467، الطبعة الأولى، 2011م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 19 ـ 10 ـ 2022م