ذهب بعض العلماء إلى أنّه لو كان الإنسان يحفظ القرآن الكريم (وصرّح بعضهم: ولو بعضاً من آياته وسوره)، فإنّه يحرم عليه أن ينسى ما حفظ، بمعنى أنّه يحرم عليه أن يتهاون بحفظه بحيث ينسى ما كان قد حفظ، فيلزمه أن يتعاهد ما حفظ حتى يظلّ حافظاً له. ونُسب هذا القول إلى جماعة من الشافعية وأنّهم قالوا بكونه من الكبائر. ويلوح من كلمات أمثال الشيخ ابن عثيمين نوعٌ من التفصيل بين حالة النسيان الطبيعي وحالة النسيان الآتي من الإعراض عن القرآن والرغبة عنه، فلا تحريم في الأوّل دون الثاني. واحتاط الشيخ جواد التبريزي وجوباً بتعاهد الإنسان ما حفظ حتى لا ينسى. وثمّة تفصيل ذكره بعض العلماء بين النسيان الذي لا يقدر معه على استعادة الاستذكار وغيره، فيحرم في الأوّل دون الثاني.
وهذه الفتوى قد تسبّب لبعض الناس الخوف من أن يقدموا على حفظ القرآن ـ كلاً أو بعضاً ـ حتى لا يتورّط في الحرام على تقدير النسيان، وحتى لا يظلّ مضطرّاً إلى نهاية عمره للسعي لعدم نسيان أيٍّ مما حفظ.
لكنّ الكثير من العلماء لا يتعرّضون لهذه المسألة بموقفٍ، بل صرّح السيد الخوئي في أحد استفتاءاته بعدم وجود إشكال في ذلك، وهو الظاهر من كلّ من السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي في بعض استفتاءاتهما.
والذي توصّلت إليه أنّه لا يحرم على الإنسان نسيان ما حفظ، حتى لو كان ذلك بسبب قلّة اهتمامه ومراقبته لنفسه في هذا المضمار، فلا يلزمه أن يتعاهد ما حفظ كي لا يقع لاحقاً في النسيان، وإن كان ذلك أفضل وأحوط.
ويستند بعض الفقهاء هنا لبعض الأحاديث، وقد عقد بعض المحدّثين مثل الشيخ الكليني باباً حول هذا الموضوع، ومن جملة الروايات هنا ـ على سبيل المثال ـ ما ورد في مصادر أهل السنّة: «من حفظ القرآن ثمّ نسيه لقي الله وهو أجذم». ولكنّ الأحاديث الواردة في هذا الشأن بين ما هو ضعيف الإسناد باعتراف نقّاد الحديث من الشيعة وأهل السنّة، وما هو دالّ على مرجوحيّة النسيان لا تحريم الوقوع فيه، وما هو غير دالّ على فكرة النسيان للكلمات والجُمل أصلاً، من هنا فهم بعض العلماء من الروايات الواردة في ذمّ نسيان القرآن أنّ المراد هو هجرانه وعدم العمل به لا مجرّد نسيان الكلمات، وهو ما تساعد عليه صريحاً بعض الروايات التي نقلها الشيخُ الكليني في “الكافي” وغيرُه. هذا كلّه مضافاً لورود بعض الروايات الدالّة صريحاً على عدم البأس في النسيان فراجع كتب الحديث، وفي بعض النصوص أنّه لو ظلّ حافظاً للسورة ارتقى أكثر في الجنّة.
هذا، وفي بعض النصوص أنّه لا يحسن بالمرء أن يقول بأنّه نَسي آية أو سورة، بل الأفضل له ـ تأدّباً ـ أن يقول بأنّه نُسّيها أو أُنسيها. وفي بعض الروايات أنّ نسيان الحافظ للقرآن هو عقوبة على ذنوبه، فليس هو بحرام بقدر ما هو كاشف عن ارتكابه محرّماً من قَبْلُ أُنسيَ القرآنَ بسببه، والله أعلم.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 11 ـ 10 ـ 2022م