ذهب فريق من الفقهاء ـ بل هو المنسوب إلى المشهور ـ إلى أنّه لا يجوز للصائم الذي أفطر لعذرٍ أو لغير عذر في شهر رمضان المبارك، مثل الحائض والنفساء والمريض والمسافر، أن يؤخّر قضاء هذه الأيّام حتى حلول شهر رمضان التالي، بل يجب عليه القضاء قبل ذلك، حتى لو لم نقل بوجوب مطلق الفوريّة في القضاء.
لكنّ جماعةً آخرين من الفقهاء عارضوا هذا الرأي، ورأوا أنّ الفورية غير واجبة في قضاء الصوم، بل يجوز تأخيره ما لم يصدق عنوان الاستخفاف، حتى لو أخّره إلى ما بعد رمضان التالي، وهكذا. ومن هؤلاء الفقهاء في الفترة المتأخّرة: السيد محمّد باقر الصدر، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمود الهاشمي، والسيد محمّد حسين فضل الله، والسيد علي السيستاني، والسيد محمد صادق الروحاني، والشيخ محمد إسحاق الفياض، وغيرهم. وبعض الفقهاء بنى المسألة على الاحتياط الوجوبي مثل السيد روح الله الخميني، والسيد محمد رضا الگلپایگاني، والشيخ يوسف الصانعي، والسيد محمّد الروحاني، والشيخ الوحيد الخراساني، والشيخ لطف الله الصافي، وغيرهم.
والذي توصّلتُ إليه ـ والله العالم ـ أنّه لم يثبت وجوب الفوريّة في القضاء، ولا وجوب أن يقع القضاء قبل حلول شهر رمضان الثاني، فالعبرة هنا إنّما هي بعدم صدق عنوان الاستخفاف والإعراض عن القضاء وأمثال ذلك. نعم التعجيل ما أمكن هو مقتضى الاحتياط الاستحبابي.
والفقهاء الذين قالوا بوجوب الإتيان بالقضاء قبل حلول رمضان التالي اعتمدوا على بعض الأدلّة، ومن أبرزها بعضُ الروايات التي استخدمت تعبير التهاون والتواني بحقّ هذا الشخص في سياق بيان الحكم من الفدية وغيرها، مثل خبرَي أبي بصير ومحمّد بن مسلم، إذ تكشف هذه النصوص عن أنّ عدم التأخير لرمضان القادم لو لم يكن واجباً لما صحّ إطلاق عنوان التهاون والتواني على التأخير.
غير أنّ هذا الاستدلال يواجه عدّة مشاكل، من أبرزها أنّ هذه التعابير يمكن أن تصدق حتى في مورد الكراهة الشديدة فلو كان تأخير القضاء لرمضان الآخر في غاية الكراهة، أمكن التعبير بالتواني والتهاون وأمثالهما، بل قد يصدقان في غير ذلك أحياناً، علماً أنّ رواية التهاون ضعيفة السند، مضافاً إلى وجود نصّ صريح في الجواز وهو خبر سعد بن سعد ـ الضعيف سنداً ـ والذي ورد فيه تعبير: mأحبّ له تعجيل الصيام فإن كان أخّره فليس عليه شيءn. هذا، وقد استدلّوا أيضاً برواية الفضل بن شاذان الضعيفة إسناداً وغير ذلك.
وعليه، فالمدار أخبار آحادية قليلة العدد، وبعضها ضعيف الإسناد، بل جملة منها لا دلالة واضحة فيه، بل فيها ما يعارضها. ولا داعي للإطالة فالمقام مبنيٌّ على الاختصار، وقد استوفى الكلامَ فيه غيرُ واحدٍ من المتأخّرين.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 12 ـ 4 ـ 2022م