يعتبر الموقف من “الهويّة الدينيّة” و “المصير الأخروي” لولد الزنا من القضايا ذات الطابع الإشكالي في بعض زوايا البحث في التراث الديني، فإذا كان ابن الزنا صغيراً وكان أحد والدَيه على الأقلّ مسلماً، أو كان صغيراً مميّزاً أو كبيراً بالغاً، ولكنّه أعلن الشهادتين وعاش حياة المسلمين مؤمناً بالله سبحانه، فهل يعتبر مسلماً نتعامل معه معاملة المسلمين أو يُحكَم بكفره؟ وماذا عن مصيره الأخروي؟ هل يدخل الجنّة إذا كان إنساناً صالحاً في الدنيا، أو أنّه يدخل النار حتماً مهما بدا لنا في الدنيا أنّه مؤمن صالح؟
ذهب الشيخ ابن إدريس الحلّي (598هـ) إلى الحكم بكفر ابن الزنا، في رأيٍ مخالف لجمهور العلماء، ورتّب على ذلك مجموعةً من الأحكام، كتحريم مناكحته؛ لأنّ القرآن حرّم نكاح الكافر، وعدم اعتبار شهادته، وعدم اعتبار عتقه، فإنّ هذه كلّها مشروطة بعدم الكفر، وابن الزنا عنده كافر. بل قد نُسب القول بكفر ونجاسة ولد الزنا إلى السيد المرتضى والشيخ الصدوق أيضاً. وقد ذهب المحدّث يوسف البحراني (1186هـ) إلى أنّ ابن الزنا يقع في حالةٍ وسطى بين الإسلام والكفر؛ لهذا فهو لا يدخل الجنّة، لكنّه لا يدخل النار. ورأى البحراني ـ يتابعه هنا الشيخ جواد التبريزي ـ أنّ ابن الزنا المؤمن يُثاب يوم القيامة في النار، أي يكون ثوابه منها، فهو يعيش في النار لكنّه لا يعذّب بها بل يأخذ نعيمه الذي يصله إلى بيته الذي في جهنّم. وقد وردت الروايةُ في هذا الأمر أيضاً.
والذي توصّلتُ إليه هو أنّ ابن الزنا كسائر الناس يحكم بإسلامه على القواعد عينها التي نحكم فيها بإسلام شخص، ويحكم بكفره على القواعد عينها التي نحكم فيها بكفر آخر. كما أنّه طاهر ذاتاً حتى لو قلنا بنجاسة الكافر. وأمّا مصيره الأخروي فهو كغيره لا يغيّر كونُه ولداً غير شرعي من معايير الثواب والعقاب في حقّه شيئاً، كسائر الناس تماماً.
والذي دفع بعض العلماء للقول بكفره، ثمّ ترتيب آثار النجاسة عليه (إلى اليوم ما يزال الفقهاء يبحثون حول نجاسة وطهارة ابن الزنا في قسم النجاسات من كتاب الطهارة، وبعضهم يرى أنّه لا مانع من القول بنجاسته دون كفره، فهو نجس لكنّه غير كافر)، أو حكمهم بدخوله النار، هو الروايات، حيث وردت روايات في ذلك تفوق الخمس عشرة رواية لها دلالة مباشرة أو غير مباشرة عندهم، كما استدلّوا بأدلة اعتبارية أيضاً، وكلّها غير مقنعة، وخضعت لمناقشات متعدّدة.
وقد جمعتُ عمدة الروايات والمناقشات والاستدلالات حول هذه القضيّة في بحثي الذي حمل عنوان “ولد الزنا في الفقه الإسلامي، قراءة وتقويم”، والمنشور في كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 315 ـ 388، الطبعة الأولى، 2015م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
السبت 12 ـ 2 ـ 2022م