يتحفّظ بعض علماء المسلمين على ظاهرة الاختلاط بين الرجال والنساء؛ نظراً لما يجدون من آثار سلبيّة لذلك، وعملاً ببعض النصوص الدينيّة من وجهة نظرهم، ولهذا يفضّلون الفصل بين الجنسين ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، في المدارس والجامعات والوظائف، وفي البيوت والملتقيات وغير ذلك.
لكن في المقابل يذهب الكثير من الفقهاء إلى عدم تحريم الاختلاط في حدّ نفسه وبعنوانه، وإنّما المحرّم منه ما يُفضي للحرام أو يستلزم ويتضمّن الحرام أو لا يؤمَن معه من الحرام، لا غير، حتى أنّ العديد من الفقهاء ـ مثل السيد محمّد الروحاني والسيد علي السيستاني وغيرهما ـ يجيزون الخلوة بالأجنبيّة مع أمن الفساد.
والذي توصّلتُ إليه، بعد دراسة نصوص الكتاب والسنّة عند المذاهب المختلفة، والوجوه الاعتباريّة التي طرحها الرافضون للاختلاط وللخلوة بالأجنبية كذلك.. الذي توصّلتُ إليه هو عدم ثبوت تحريمٍ مستقلّ قائم بنفسه، لا للاختلاط عموماً ولا للخلوة بالأجنبيّة خصوصاً، إلا إذا لزم منه الفساد أو تضمّنه أو لم يؤمَن من الفساد معه، الأمر الذي يختلف باختلاف الأفراد والمجتمعات والظروف والأحوال. ولا يعني ذلك أنّ الإسلام يشجّع على الاختلاط أو يميل إليه، بل المطلوب لديه هو تكريس وجود ظاهرة الاحتياط العام، بوصفها ثقافة تدفع الأفراد للتنبّه عند الإحساس بأيّ خطر محدق، نتيجة علاقة اختلاط أو خلوة، فنظرة النصوص الدينيّة للاختلاط والخلوة هي نظرة وسائليّة طريقيّة، وليست ذاتيّة تحريميّة مطلقة، فالمجتمع والفرد والعائلة والمدرسة.. مطلوبٌ منهم جميعاً خلق وعي أخلاقي عام ونابض، يساهم في خلق حصانة أو نباهة ذاتيّة للأفراد عند اقترابهم من الحرام نتيجة الخلوة أو الاختلاط.
ولمزيد اطّلاع على الأدلّة والمناقشات في هذا الموضوع، راجع بحثي حول «عمل المرأة، دراسة في ضوء معطيات الفقه الإسلامي»، والمنشور في كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 2: 227 ـ 324، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
الاثنين 21 ـ 2 ـ 2022م