تنتشر في الأعراف ـ الحوزويّة وغير الحوزويّة ـ ألقابٌ تُطلَق على العلماء، وبخاصّة الفقهاء، مثل: آية الله، وآية الله العظمى، وحجّة الإسلام والمسلمين، وغير ذلك. ولا تقف ظاهرة الألقاب الضخمة على الفقهاء بل نجد لها انتشاراً ونمطاً غير عادي في الوسط الصوفي والعرفاني والفلسفي أيضاً، من نوع: قطب دائرة الإمكان، والعارف الكامل الواصل، وجامع المعقول والمنقول، والعقل الحادي عشر، وغير ذلك. وقد اعتبر بعضٌ أنّ إطلاق بعض هذه الألقاب محرّمٌ؛ لبعض الاعتبارات الراجعة لبعض الروايات المنقولة عن أهل البيت النبوي، ونُسب هذا الرأي شفاهاً لبعض الفقهاء المتأخّرين، والعلم عند الله.
وقد كان لبعض العلماء موقفٌ نقديٌّ من التعامل مع هذه الألقاب، ومن بينهم: السيد محمّد الحسيني البهشتي، والشيخ مرتضى المطهّري، والشيخ محمد جواد مغنيّة، وغيرهم.
والذي توصّلتُ إليه ـ بعد دراسة مطوّلة نسبيّاً في تاريخ تطوّر هذه الألقاب، والموقف الشرعي منها ـ أنّ إطلاق هذه الألقاب ليس محرّماً في نفسه، لكنّه ليس بواجب ولا مستحبّ، ولا هو جزء من منهج الشريعة في التعامل مع العلماء والعبّاد. بل في مقاربتي الشخصيّة من زوايا متعدّدة، دينيّة وثقافية ونفسيّة وتربويّة وغيرها، فإنّني أدعو لترك هذه الألقاب تماماً، والعودة للتعبير عن المكانة العلميّة بألقاب لا تحمل طابعاً قُدسيّاً وإلهيّاً وسماويّاً، ولا تحمل طابعاً إطلاقيّاً تفوّقيّاً، فبدل تعبير mآية الله العظمىn، يمكننا التعبير بـ mالمرجع الدينيn، وبدل تعبير mآية اللهn، يمكن التعبير بـ mالفقيهn، وبدل التعبير بـ: mفريد عصره ووحيد دهرهn، يمكن التعبير بـ mالعلامةn، وهكذا. وقد كان القدماء أقرب في الألقاب عادةً للمنطق العقلاني البشري وأضبط في الاستخدام، فيما الألقاب ذات البُعد التقديسي أو الإطلاقي التعظيمي نَمَت لاحقاً، وبالخصوص منذ العصرين الصفوي والعثماني، وربما بعضها جاء تأثراً بالثقافة المسيحيّة كما يراه بعضٌ. بل لعلّ التمييز في الألقاب بين السلالة الهاشميّة وغيرها، بإطلاق مثل لقب mالشرفاءn عليهم، دون غيرهم.. لعلّ هذا التمييز لا يحمل روحاً متوافقة مع الروح الإسلاميّة، وهو من وضعنا وجعلنا لا بدعوةٍ من النصوص الدينيّة.
واللافت أنّ أصحاب أئمّة أهل البيت وأصحاب الصحابة والتابعين، لم يكونوا ـ لا في حديثهم المباشر معهم، ولا في حديثهم عنهم في غيابهم ـ ليستخدموا ألقاباً من هذا النوع في حقّهم، بل في كثير من الأحيان كانوا يخاطبونهم أو يتحدّثون عنهم بمجرّد الكنية، فيقول: أخبرني أبو عبد الله، ويقصد الإمام جعفر الصادق، أو يقولون: فقالت فاطمة، ويقصدون السيدة الزهراء، وهذا واضحٌ للغاية، يعرفه من يراجع التراث الحديثي والتاريخي بسهولة. بل في التأمّل في التراث الحديثي والتاريخي تظهر أمور قد تبدو لبعضنا غريبةً اليوم، لا داعي للتعرّض لها، لكنّها كانت عادية جدّاً بالنسبة إليهم.
ولمزيد اطّلاع وتوسّع، راجع البحث المطوّل نسبيّاً حول الموضوع، وذلك في كتاب (إضاءات 5: 462 ـ 497، الطبعة الأولى، 2015م).
حيدر حبّ الله
الخميس 21 ـ 4 ـ 2022م