ذهب العديد من الفقهاء إلى أنّه لا ينعقد يمين الولد (المقصود به يمين العَقد، لا يمين الإخبار والتحقّق ولا يمين المناشدة) إلا بإذن والده، ولا الزوجة إلا مع إذن زوجها، ولا العبد إلا بإذن مولاه، ولكنّ آخرين ـ مثل السيّد محسن الحكيم والسيّد محمّد صادق الروحاني والسيّد محمود الهاشمي وغيرهم ـ ذهبوا لانعقاد اليمين هنا غاية الأمر أنّ الوالد والزوج والمولى يإمكانهم حلّ هذا اليمين ولو بالنهي عن متعلّقه. وأضاف السيد المرعشي النجفي والسيد علي السيستاني عدم انعقاد اليمين مع منع الوالد أو الزوج من قَبل. وذهب الشيخ الصانعي إلى عدم انعقاد اليمين مع منع الوالد أو الزوج فيما ينافي حقّ الزوج في الاستمتاع، أو كان يمين الولد بقصد إيذاء الوالد، لا مطلقاً حتّى لو منعا.
وهذه الخلافات ليست قائمة فقط بين المتأخّرين والمعاصرين وإن ذكرنا أسماءهم، بل الموضوع مختلف في تفاصيله هذه منذ قرون، ومحلّ تنازع ونقاش طويل بينهم.
والذي يترجّح بالنظر القاصر عدم اشتراط إذن أحد في انعقاد يمين الابن والبنت والزوجة وغيرهم، إلا إذا كان متعلّق اليمين مخالفاً لحقوقهم الشرعيّة. نعم لو نهوا عن متعلّق اليمين من قبل، بحيث أدّى نهيهم إلى صيرورة المتعلّق مرجوحاً دنيوياً أو أخرويّاً، لم ينعقد اليمين؛ عملاً بقاعدة لزوم كون متعلّق اليمين راجحاً أو غير مرجوح، وأمّا بعد انعقاد اليمين فلا يجوز للأب ولا للزوج النهي عن الوفاء باليمين، لكن لهما النهي عن المتعلَّق نفسه ولو مع علمهما بكونه متعلّقاً ليمينٍ يجب الوفاء بها، فلو نهيا فتعنون المتعلّق بالمرجوحيّة نتيجة نهيهما، فإنّ اليمين تسقط وتنحلّ. وهذا الأمر غير خاصّ بالأب والزوج، بل قد يجري في غيرهم أيضاً إذا انطبقت عليهم القاعدة، وبخاصّة الأم.
وعمدة أدلّتهم هنا ثلاث روايات صحّحوا على الأقلّ واحدةً منها، ولعلّه يمكن التشكيك في صحّتها جميعاً، ولو فرض صحّة إحداها فلا نقول بحجيّة خبر الواحد الظنّي، وقد صرّح المحقّق النجفي أنّ المسألة هنا مبنيّة كلّها على حجيّة خبر الواحد. بل النقاش ـ بصرف النظر عن مسألة حجيّة خبر الواحد ـ ممكنٌ جدّاً في المراد من نفي يمين الولد مع الوالد والزوجة مع الزوج والعبد مع مولاه، وإن كان الظاهر من الحديث نفسه هو نفي الانعقاد مع “وجود” الوالد والزوج ـ مع كون لازم دلالته الحرفيّة هو البطلان ولو مع إذن الوالد! ـ وإن احتمل مع “معارضة” الوالد والزوج، ولعلّه يترجّح الثاني ليس لما ذكروه من وجوه، وإن كان بعضه لا بأس به، وكونه القدر المتيقّن من مخالفة قواعد اليمين.. بل أيضاً لكون هذه المسألة لو كانت موجودةً بالفعل، لكان يتوقّع تبيينُها وكثرة الأسئلة حولها، وبخاصّة أنّها لا عين لها ولا أثر ـ فيما يبدو ـ في فقه جمهور المسلمين ومرويّاتهم، والابتلاءُ بها شديد، والأيمان كثيرة بين المسلمين، خاصّة مع تعميم عنوان اليمين للنذر والعهد على رأي بعضهم، ومع ذلك قلّت الأسئلة فيها جدّاً، بل هي (أعني الأسئلة) شبه معدومة. بل قد وردت الكثير من النصوص في تفاصيل قضايا الأيمان والموقف منها دون أن يشار إلى موضوع إذن الأب أو الزوج أو يسأل الإمام عن وجود الأب وعدمه، مع أنّه محلّ الابتلاء في تلك النصوص، فراجع. والقدماء صرّح العديد منهم بكون المراد نفي اليمين مع المعارضة، فيترجّح بالنظر ما ينسجم مع مقتضى القواعد، وهو أنّ المراد بالروايات ـ لو قلنا بحجّيتها ـ شيءٌ ينافي حقوق الآخرين أو يكون مع معارضتهم ونهيهم، السابق أو اللاحق، بما يجعل المتعلّق مرجوحاً نوعاً. بل ذهاب جملة من المتقدّمين والمتأخّرين لنفي اليمين مع خصوص حال المعارضة يفرض عدم إمكان جعل عملهم بالروايات هنا موجباً لقوّة الوثوق بصدورها بنحو تصل لحدّ الاطمئنان؛ إذ لعلّهم لأنّهم فهموا أنّها على وفق القاعدة لهذا أخذوا بها، وإلا فلا وثوق بها في نفسها لولا ذلك، فإنّ الوثوق يتأثر بنوع فهمنا للنصوص، فلو فسّرناها بتفسيرٍ معين لربما تراجع الوثوق، بينما على تفسير آخر يقوى نتيجة صيرورتها موافقةً للكتاب أو السنّة أو القواعد أو غير ذلك. والعلم عند الله. والكلام فيه مزيد تفصيل لا يتناسب مع هذا المختصر.
حيدر حبّ الله
الخميس 6 ـ 1 ـ 2022م