ذهب العديد من الفقهاء إلى أنّه لا ينعقد نذر الولد إلا بإذن والده، ولا الزوجة إلا مع إذن زوجها، لكنّ آخرين ـ مثل السيد الخوئي والسيد محمّد الروحاني ـ قالوا بأنّه ينعقد نذر الزوجة فيما لا ينافي حقّ الزوج، خاصّةً لو كان النذر متعلّقاً بأمور غير ماليّة، وأمّا نذر الولد فاعتبروا أنّه لا ينعقد لو كان الوالد قد نهى الولد عن متعلّق النذر من قبل، وإلا فينعقد، لكنّه ينحلّ لو نهاه عن متعلّق النذر بعد النذر. وأضاف السيّد السيستاني هنا أنّه لو وافق الزوج على النذر ثم انعقد النذر ثم نهى عن المتعلّق فلا أثر لنهيه، وكذلك احتاط وجوباً في شرعيّة نذر الزوجة في الأمور المالية عدا مثل الحجّ وصلة الرحم و.. ووافق السيد فضل الله على ما ذهب إليه أمثال السيد الخوئي مخصّصاً حالة الوالد بالأمور الإشفاقيّة لا مطلق ما ينهى عنه. وبعضهم ـ مثل السيّد الخميني ـ فصّل في الشرط بين الزوجة فلا ينعقد إلا بإذن الزوج، والولد فينعقد نذره من دون إذن الوالد مطلقاً. ووافق السيد الگلپايگاني على ذلك، لكنّه في الولد قال بأنّ الوالد يمكنه حلّ النذر بمنعه الولد عن متعلّق النذر بما هو هو لا بما هو منذور؛ إذ بالمنع يكون النذر قد تعلّق بالمرجوح فلا يصحّ. وذهب إلى شبيه ذلك الشيخ محمّد علي الأراكي، لكنّه توسّع من الأب للأم. إلى غير ذلك من المواقف والآراء التي لا نطيل بذكرها، وإنّما نعرض عيّناٍت منها بهدف الاطّلاع على جانب من تنوّع المشهد الفقهي، وبخاصّة المعاصر منه.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم اشتراط إذن الزوج ولا الأب ولا الأم، فضلاً عن الجدّ والجدّة وغيرهما، في نذر ولا في عهد الولد والزوجة، إذ لم يرد ذلك في أيّ آية أو رواية ولو ضعيفة السند، عدا خبر عبد الله بن سنان الوارد في سلب حقّ الزوجة عن التصرّف مطلقاً بأموالها إلا بإذن الزوج، الأمر الذي يترك تأثيره على نذرها في خصوص الأمور الماليّة، لكنّ هذا الحديث تعارضه ـ على الأقلّ ـ جملة وافرة من الروايات في الأبواب المختلفة، ولهذا لم يعمل به الكثيرُ من الفقهاء. وأمّا الروايات الواردة في اليمين، فلو سلّمنا حجيّتها، وقد تكلّمنا عنها سابقاً، فقد يقال بأنّه لا يصحّ ما ذكره بعض الفقهاء من أنّ المراد باليمين فيها هو الأعمّ من اليمين والعهد والنذر، فهو غير معلوم وغير محرَز فيها بدليل مقنع، حتّى لو سلّمنا إمكانيّة استخدام كلمة اليمين في الأعمّ لغةً، بل قد وقع في ألسنة النصوص، فإنّ هذا لوحده لا يكفي لظهور الجملة في الأعم بلا قرينة.. لكن لا يبعد معه ـ بتنقيح المناط وإلغاء الخصوصيّات عرفاً ـ وحدة الثلاثة في مثل هذه الآثار، فينحصر الإشكال في أصل حجيّة روايات الاشتراط في اليمين، وقد قلنا سابقاً بعدم حجيّتها، فراجع.
نعم، ينبغي هنا تطبيق القاعدة في باب النذر والعهد، وهو أن لا يكون متعلَّق النذر مرجوحاً أو أن يكون المتعلّق راجحاً (لو غضضنا الطرف عن اشتراط كونه قُربيّاً كما ذهب إليه بعضٌ)، وهنا إذا كان المتعلّق منافياً لحقّ الزوج أو لحقّ الأب أو الأم، لم ينعقد النذر ما لم يتنازل هؤلاء عن حقّهم مسبقاً، ويفضي ذلك لتعنون المتعلّق بالرجحان أو بعدم المرجوحيّة. وكذلك إذا كان نهي الأب عن المتعلّق ـ لا عن النذر ـ أو نهي الزوج عنه، موجباً لصيرورة المتعلّق مرجوحاً دينيّاً أو دنيويّاً انحلّ النذر. وهذا غير خاصّ بالزوج والوالد، بل يشمل ما لو نهت الزوجة زوجها عن متعلّق نذره وصار المتعلّق بسبب النهي مرجوحاً بنظر العرف أو الشرع، أو كان نذر الزوج منافياً لحقّ الزوجة ولم تتنازل الزوجة مسبقاً عن حقّها هذا، وكذا نهي الولد والده والأخ أخاه أو أخته والصديق صديقه، فهذه قاعدة عامّة لا خصوصيّة فيها هنا للوالد والزوج؛ إذ لا روايات في المقام بخصوصه.
حيدر حبّ الله
الجمعة 7 ـ 1 ـ 2022م