ثمّة ما يشبه التوافق الفقهيّ بين علماء المسلمين على أنّ الصلاة لابدّ أن تؤدّى بكامل أذكارها باللغة العربيّة الصحيحة، وقد وقع كلامٌ فقهي في القنوت، فذهب بعضهم فيه إلى كونه كغيره من أذكار الصلاة، وقال آخرون بأنّه لا يصحّ بغير العربيّة لكن لا تبطل الصلاة معه، فيما أجاز آخرون الإتيان به ولو بغير العربية، مع الحكم بصحّة الصلاة.
ولم يشذّ عن هذا التوافق سوى العديد من فقهاء المذهب الحنفي، وبعض القرآنيين في العصر الحاضر، وكذلك بعض فقهاء الإماميّة المتأخّرين، كما تشير إليه كلمات السيد مصطفى الخميني (1977م)، حيث أجازوا ـ على خلافٍ في بعض التفاصيل ـ القراءة والتكبير و.. بغير العربيّة. ومحلّ حديثنا هنا هو حكم ما إذا لم يكن الإنسان عربياً من طفولته هل يجب عليه قراءة مختلف أذكار الصلاة بالعربية سواء كان يتقنها أم لا؟ كما أنّ العربيّ نفسه هل يمكنه قراءتها بغيرها لو كان يجيد لغةً أخرى؟ والذي يعنينا هو الترجمة لا العربيّ الملحون، فإنه خارج عن مورد الكلام.
وقد استدلّ كلا الطرفين هنا بعدّة أدلّة ليس بينها نصّ واحد صريح بأنّه يجب عليكم الصلاة بالعربيّة أو لا يجب، وإنّما هي قواعد وعمومات وانصرافات وارتكازات ونحو ذلك.
والذي توصّلتُ إليه ـ بعد بحثٍ مطوّل نسبيّاً في الموضوع، استعرضتُ فيه أدلّة الطرفين ومناقشاتها ـ هو أنّه لا دليل على اشتراط العربيّة في الصلاة، في غير القراءة (الفاتحة وما بعدها من آية أو سورة)، فيجوز الإتيان بالأذكار والتشهّد والتسليم وغيرها سواء الواجب منها أم المستحبّ، باللغة العربيّة وبغيرها شرط أن تكون الترجمة معبّرةً عرفاً عن المعنى المتضمّن في الأذكار والأعمال الصلاتيّة التي تؤدّى بالعربيّة. أمّا القراءة وما فيه نصٌّ قرآني يؤدّى في الصلاة، فإنّ مقتضى الاحتياط اللازم هو الإتيان به بالعربيّة. هذا ولا شكّ أنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو الإتيان بالصلاة كلّها باللغة العربيّة ما أمكن.
ولمزيد اطّلاع، يمكن مراجعة البحث المفصَّل في هذا الموضوع، وذلك في كتابي المتواضع (إضاءات 4: 273 ـ 296، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
الأحد 17 ـ 4 ـ 2022م