صرّح العديد من الفقهاء بأنّه يشترط في صحّة المسح في الوضوء “إمرار الماسح على الممسوح”، بمعنى أن يحرّك يده على رأسه لمسح رأسه، لا أن يضع يده على رأسه ثم يقوم بتحريك رأسه للخلف فيقع المسح، إذ الصورة الثانية يُحكم ببطلان الوضوء معها عندهم. وقد نصّ السيد اليزدي ـ ماتن العروة ـ على ذلك في الوضوء والتيمّم معاً، ووافقه كثيرون.
لكنّ بعض الفقهاء تحفّظوا هنا وتأمّلوا وناقشوا، ومنهم السيد محسن الحكيم، بل أفتى الشيخ محمّد أمين زين الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد تقي المدرّسي بعدم اشتراط إمرار الماسح على الممسوح في صحّة المسح، فيما بنى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي المسألة على الاحتياط الوجوبي، وهو ما قد يظهر أيضاً من الشيخ بيات الزنجاني.
والذي توصّلتُ إليه ـ والله العالم ـ هو عدم اشتراط إمرار الماسح على الممسوح في صدق المسح في بابَي الوضوء والتيمّم معاً ما دام المحرِّك للممسوح هو المكلّف نفسه واقعاً أو حكماً. كما لا بأس بالمسح التدريجي والدفعي بمعنى أنّه لا بأس بوضع يده على أصابع القدم ثمّ المسح (المسح التدريجي) أو بوضع يده على كامل قدمه ثمّ تحريكها قليلاً (المسح الدفعي)، فيصدق المسح في الحالتين معاً، وفاقاً في هذه المسألة الثانية (التدريجي والدفعي) لجماعة كبيرة من الفقهاء.
والذي يترجّح بالنظر أنّ العرف يفهم من مسح الرأس والقدمين مطلق احتكاك الماسح بالممسوح، ولو نتيجة حركة الممسوح نفسه ما دام محرِّك الممسوح هو المكلّف ذاته واقعاً أو حكماً، فيصدق عرفاً أنّه مسح قدمه بيده، فلا يلاحظ العرف حركة الماسح، بل يلاحظ ناتج الحركة، وهو تحقّق الحركة بين الماسح والممسوح، ولهذا لا يقول العرف في هذه الصورة: «مسحتُ برأسي على يدي»، بل يبقى عنوان «مسحت يدي على رأسي أو مسحت رأسي بيدي» هو المتعيّن، وهذا العرف ببابنا يمكن سؤاله بعيداً عن النظر الدقّي.
وتمييزُ بعض الفقهاء المسحَ بمعنى الإزالة عن المسح بمعنى الإمرار لا يُنتج هنا بعد وضوح قضاء العرف بذلك. ولا يمكن قياس حركة رأس اليتيم مع ثبات اليد عليه بما نحن فيه؛ فإنّه مضافاً لإمكان دخول خصوصيّة مقصديّة هنا ناتجة عن مناسبات الحكم والموضوع، وهو العطف على اليتيم، كامنة في داخل عنوان المسح، بحيث لا يكون المسح مجرّد حركة مادية خالصة بالنظر العرفي، على خلاف الحال في الوضوء والتيمّم.. مضافاً لذلك.. فقد يُدّعى ـ والمقام يحتاج لتأمّل في هذه الدعوى ـ أنّ حركة رأس اليتيم فعلٌ خارج عن فعل فاعل المسح نفسه (فاعل الوضوء والتيمّم)، ولهذا يجد العرف فرقاً بين أن أضع يدي على السيارة فتتحرّك السيارة بفعل شخصٍ آخر، فلا يقال: «مسحتُ على السيارة» أو يشكّ في صدق قول العرف ذلك، وبين أن أضع يدي على قدمي فأحرّك قدمي قاصداً تحقيق مرور اليد عليها، فهنا يرى العرفُ صدق عنوان المسح.
كما أنّ دعوى دخول الباء على الممسوح في الوضوء والتيمم في النصّ القرآني والحديثي هي الأخرى غير واضحة؛ إذ ليس الكلام في كون الرأس والقدمين أو الوجه واليدين ممسوحاً، بل الكلام في تلقّي العرف للمسح على تقدير حركة الممسوح تحت الماسح، فدعوانا أنّ العرف يرى ـ حتى في هذه الحال ـ صدقَ عنوان الممسوح على الرأس والقدمين وهكذا، فانتبه جيّداً.
بل لعلّ لعنوان الـ “فوق” والـ “تحت” دوراً في فهم العرف وتعيينه للماسح من الممسوح، والتفصيل في محلّه، فلا نطيل.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 13 ـ 9 ـ 2022م