يتصوَّر لاستخارة الترك معنيان:
المعنى الأولى: أن يكون الترك بنظر العرف فعلاً يُقدم عليه المكلّف، كما لو كان موظّفاً وأراد ترك وظيفته، ففي هذه الحال لا شك في شمول أدلّة الاستخارة له؛ لأنّه عرفاً يريد الإقدام على فعل.
المعنى الثاني: أن يكون المراد بالترك أمراً سلبياً عدميّاً، كأن يستخير على الزواج فتكون استخارته استخارة فعل، ويستخير على عدم الإقدام على الزواج فتكون استخارته استخارة ترك غير مسبوق بوضع معيّن يخرج منه بالترك.
وقد راجت هذه الاستخارة ـ بالمعنى الثاني ـ في الفترة الأخيرة، حتى أنّ بعض الناس يستخيرون على الفعل، ثم يستخيرون على تركه، فإذا خرجت جيدةً فيهما دلّ ذلك على التخيير عندهم. ولم أجد أحداً ـ في حدود تتبّعي المتواضع ـ طرح هذا الموضوع قبل السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (1410هـ)، إلا الشيخ جعفر كاشف الغطاء (1228هـ). نعم، جاء الوضوح في كلمات السيد المرعشي النجفي، حيث ذكر في وصيّته أنّه قد التقى بالإمام المهدي وأنّه الذي قال له أن يستخير خيرة الترك، وأنه إذا أراد الاستخارة استخار أوّلاً على الفعل، ثم استخار على الترك.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم شمول ظاهر أدلّة الاستخارة لفكرة الاستخارة على الترك بالمعنى الثاني، وعدم كفاية دعوى السيد المرعشي النجفي في لقيا الإمام المهدي لإثبات حكمٍ من هذا القبيل، فاستخارة الترك بالمعنى الثاني ليس لها أساس شرعي، حتى لو آمنّا بثبوت الاستخارة بأنواعها، وهو ما سبق أن ناقشناه وعلّقنا عليه.
وقد بحثتُ هذا الموضوع وناقشتُ أدلّتَه، وذلك ضمن دراستي حول فقه الاستخارة، والمنشورة في كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 4: 7 ـ 259، الطبعة الأولى، 2013م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
الخميس 10 ـ 2 ـ 2022م