اختلف فقهاء المسلمين في الموقف من صيام شهر رجب الأصبّ، وكان هذا الموضوع محلّ ما يشبه معركة تاريخيّاً في الوسط السنّي، فقال جماعة باستحباب صيامه وهو ما ذهب اليه جمهور فقهاء الأحناف والمالكية والشافعيّة والزيديّة والإماميّة، فيما اتخذ الحنابلة موقفاً مختلفاً، فذهب بعضهم إلى القول بكراهة صيامه، وقال بعضٌ باستحباب الصوم فيه لكن من دون صومه برمّته فلا ينبغي أن يجعله الإنسان مثلَ شهر رمضان، وهو ما نجد له حضوراً في الفقه السلفي أيضاً وعند الشيخ ابن تيمية، بل قال العديد منهم بكراهة إفراده بالصوم.
والذي توصّلتُ إليه أنّ صيام أيّامٍ من رجب، وكذلك صيام رجب بأكمله، مشمولٌ للأدلّة العامّة الداعية لاستحباب الصوم، بل صيام بعضِ رجب ثابتٌ استحبابُه بعنوانه أيضاً، والروايات فيه متعدّدة، لكن لم يثبت تخصيص رجب بأكمله باستحباب الصيام بعنوانه، بمعنى لم يثبت استحباب أن يصوم الإنسان شهر رجب كلّه بوصفه استحباباً خاصّاً. لكن في المقابل لم يثبت حُرمة ولا كراهة صوم رجب بأكمله بعنوانه الأوّلي، خلافاً لما ذهب إليه العديد من الحنابلة والسلفيّة.
والروايات الواردة هنا عند أهل السنّة كثيرٌ منها واردٌ في مبدأ الصوم في رجب لا في صيامه بأكمله، فالرواية التي تدلّ على استحباب صيام ولو يوم من رجب لا تؤسّس استحبابَ صيام رجب كلّه بعنوانه، فهي مثل روايات صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وأمّا ما ورد في صوم شعبان معلّلاً النبيُّ ذلك بأنّه ـ أي شعبان ـ مغفول عنه، فيقع بين رجب ورمضان؛ فلا يدلّ على مفروغيّة استحباب صوم رجب، بل لعلّه ناظر للعمرة أو ناظر للصيام في رجب لا لصوم كلّ رجب، أو ناظر للنحائر فيه، علماً أنّ الأغلبيّة الساحقة من روايات صيام رجب عند أهل السنّة على قلّتها ضعيفة الإسناد جداً حتى قيل بوضعها، بل تُعارضها نصوصٌ عديدة تشير إلى مرجوحيّة صيام رجب كلّه رغم أنّها أيضاً ضعيفة الإسناد، بل يعتبر بعض الفقهاء أنّ بعض الصحابة والتابعين وبعض النصوص النبويّة اتخذت هذا الموقف السلبي من رجب انطلاقاً من أنّ أهل الجاهليّة كانوا يعظّمونه، فأُريد طمس ما عليه أهل الجاهليّة.
وأمّا الأدلّة الدالّة على استحباب الصيام في الأشهر الحرم، فمضافاً إلى أنّ بعضها لا يظهر منه إرادة غير شهر محرّم الحرام لا الشهر المحرّم، لا تعدو ـ وبسبب قلّتها ـ عن أن تكون آحاداً، مع ضعف سند بعضها. بل فهم منها بعض فقهاء أهل السنة استحباب صوم جميعها، لا تخصيص رجب دون غيره منها.
أمّا شيعيّاً، فالوارد هو بعض الروايات في استحباب صوم أيّام من رجب وأنّ من زاد زاد الله له، وفي بعض الروايات الاقتصار على صيام يوم أو ثلاثة أو نحو ذلك، دون إشارة لاستحباب صيامه كلّه، بل في روايةٍ ضعيفة الإسناد منقولة عن الإمام المهدي ما يفيد مرجوحيّة صيامه بأكمله. نعم في بعض الروايات ما يفيد استحباب صومه بأكمله، وهي روايات قليلة العدد ضعيفة الإسناد؛ إذ هي بين مرسَل لا سند له، أو ضعيف بسبب وجود رواة مضعّفين فتكون تالفة من حيث السند، وهكذا. بل في بعض روايات صيام رجب عند السنّة والشيعة معاً ما يُستشمّ منه رائحة الوضع، والعلم عند الله.
حيدر حبّ الله
السبت 16 ـ 4 ـ 2022م