يطلق الفقهاء تعبير الحشرات على صغار دوابّ الأرض، أو الحيوانات التي تأوي ثقوب الأرض وتسكن باطنها كالحيّة والعقرب والفأرة والجرذ واليربوع والضبّ والقنفذ وسامّ أبرص والوزغ والعظاءة واللحكة والصراصر والخنفساء وبنت وردان والديدان والرتيلاء والبرغوث والقمّل وغير ذلك. بل إنّ عنوان الحشرات يشمل عند كثيرين ما يطير منها وغيره. وأنواع الحشرات بهذا المعنى هي بالتأكيد كثيرة للغاية في العالم، بل الحشرات ـ بالمعنى العلمي ـ تصنّف على أنّها تزيد على مليون نوعاً، وتشكّل نسبة عالية من أنواع الكائنات الحيّة على الأرض، بما في ذلك المائيّ منها.
وفي صدق عنوان الحشرات على بعض ما ذكروه نقاشٌ وقع بين الفقهاء كالقمّل. والعبرة عندهم بالصدق العرفي، دون المصطلح العلمي، فلو كانت على شكل حشراتٍ صغيرة لكنّها ضخمة كالديناصور فلا يُسمّى حشرة.
وأقصد شخصيّاً بالحشرات هنا الأعم من المصطلح العلمي والفقهي والعرفي.
والمعروف بينهم تحريم الحشرات بمختلف أنواعها، لكنّ المنسوب لمالك بن أنس هو الحليّة، أمّا السيد محمد باقر الصدر والسيّد محمود الهاشمي فاحتاطا وجوباً في تحريم الحشرات. فيما ذهب الشيخ محمد جواد مغنيّة إلى حليتها في غير المضرّ منها. ويلوح من السيّد علي السيستاني أنّ خصوص الحشرات الطائرة تحرم بناء على الاحتياط اللزومي، وليس بنحو الفتوى. بل بعض استفتاءات السيد محمّد سعيد الحكيم تعطي الاحتياط الوجوبي في بعض زوايا المسألة، رغم أنّ رسالته العمليّة توحي باتّباعه المشهور في القضيّة.
وقد تحفّظ بعض الفقهاء هنا، فقال المحقّق الأردبيلي: «وأمّا الحشرات.. فما نعرف دليلاً على تحريمها، غير أنّها مذكورة في الكتب، فلعلّه إجماعيٌّ، ويحتمل دعوى الخباثة في بعضها». لكن مضافاً إلى هذين الأمرين المشار إليهما في كلمات الأردبيلي استدلّ بعضهم بعدم إمكان تذكية الحشرات، لكن أقرّ غير واحدٍ من الفقهاء بجريان التذكية فيها.
هذا، وذكر بعض الفقهاء استثناء الديدان المتكوّنة في الفواكه من الحرمة، والظاهر أنّ مرادهم أكلها مع الفاكهة لا لوحدها.
والذي توصّلتُ إليه هو أنّ الحشرات ـ بالمعنى العرفي والعلمي والفقهي ـ حلال، فيما لم يكن مضرّاً ضرراً معتدّاً به يبلغ حدّ التحريم. بل بعض الحشرات التي قيل بحرمتها بعنوانها لم تثبت حرمتها، وذلك مثل الضبّ. ويترتّب على ذلك أنّ استخدام بعض مكوّنات الحشرات في الأدوية والمصنّعات الغذائية ـ كما يقال في مثل بعض الحلوى والشوكولاتة والقهوة وغير ذلك ـ لا يوجب تحريمها، حتى لو صرفنا النظر عن موضوعَي: الاستحالة والاستهلاك.
وقد توسّعتُ في هذا البحث هنا، وناقشتُ أدلّة التحريم في كتابي المتواضع (فقه الأطعمة والأشربة 1: 376 ـ 387، الطبعة الأولى، 2020م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
الجمعة 20 ـ 5 ـ 2022م