ذكر الفقهاء في أحكام الاعتكاف أنّ المعتكِف في المسجد يلزمه أن يتجنّب ـ في الليل والنهار ـ عدّة أمور:
1 ـ الجماع ولو من دون إنزال، وألحقوا به ـ بنحو الفتوى أو الاحتياط الوجوبي ـ اللمسَ والتقبيل بشهوة وما شابه ذلك.
2 ـ الاستمناء، وبناه بعضهم على الاحتياط الوجوبي.
3 ـ شمّ الطيب والتلذّذ بالرياحين، وأخرجوا بذلك من هو فاقدٌ لحاسة الشمّ.
4 ـ البيع والشراء، وزاد بعضهم مطلق أنواع التجارات، وبنى بعض التعميم على الاحتياط الوجوبي، لكنّ الجميع لم يمانع من اشتغال المعتكف ببعض الأمور الدنيويّة الأخرى، مثل الخياطة وغيرها.
5 ـ المماراة، بلا فرق بين أن تكون في أمر ديني أو دنيوي، ويقصدون بها الجدلَ بداعي إظهار الأنا والتفوّق والغلبة على الآخر، أمّا لو كانت بداعي إظهار الحقّ فلا بأس بها.
6 ـ ما ذكره بعضٌ من تحريم كلّ محرّمات الإحرام على المعتكف، لكنّ الكثير من المتأخّرين لم يوافق على هذا الأمر.
والمفهوم منهم ـ أو من الكثير منهم على الأقلّ ـ أنّ صدور هذه الأمور من المعتكف يوجب بطلان اعتكافه، بل حكم بعضهم بالبطلان حتى لو صدرت بنحو السهو.
وبعض هذه الأمور تصنّف في بعض المذاهب عند أهل السنّة من المكروهات أو من آداب الاعتكاف، دون أن يفسد الاعتكاف بارتكابها، وللأحناف تفصيلٌ هنا في التجارة وإحضار السلع للمسجد.
والذي توصّلتُ إليه هو أنّ الثابت على المعتكِف بما هو معتكف تحريمٌ واحد زائدٌ على ماهية الاعتكاف ومقتضياته، وهو الجماع، وهو القدر المتيقّن من دلالة النصّ القرآني هنا (البقرة: 187)، أمّا سائر الأمور المذكورة أعلاه فلم يثبت تحريمها على المعتكف بما هو معتكِف، على احتياطٍ لزومي في الاتصال الشهويّ بالمرأة ولو من دون جماع ولا إنزال.
نعم، قد يكون ارتكاب بعض هذه الأمور موجباً لبطلان صومه الموجب لبطلان اعتكافه؛ إذ لا اعتكاف بلا صوم كما ورد في النصوص، لكنّ هذا لا يعني تحريمها عليه بما هو معتكِف، بل بما هو صائم، بمعنى أنّها تحرم عليه نهاراً ولا تحرم عليه ليلاً، فلو ارتكبها نهاراً أفسَدَ صومَه فأفسَدَ اعتكافه دون ما لو ارتكبها ليلاً. كما أنّ هذا التحريم هنا وضعيٌّ بمعنى أنّ الاعتكاف يبطل بذلك.
والمستند العمدة لبعض هذه التحريمات ـ غير الإجماعات والشهرات وبعض الأقيسة ـ هو رواية آحادية منفردة، وهي صحيحة أبي عبيدة، ولا نبني على حجيّة خبر الواحد. ودعوى اليقين بصدورها، بنحوٍ تفيد الإلزام التكليفي أو بيان الحكم الوضعي، في غاية الصعوبة، فيكون المرجع الأساس في محرّمات الاعتكاف هو النصّ القرآني المؤكَّد في مورده بنصوص السنّة الشريفة.
والتفصيل في محلّه.
حيدر حبّ الله
الأحد 28 ـ 8 ـ 2022م