توقيفية الأسماء ـ وهو مفهوم يغاير مفهوم الترجمة إلى غير اللغة العربية، ومال بعضهم إلى الشمول له ـ مقولةٌ مشهورة أرسلها بعضهم إرسال المسلّمات، وقيل بأنّها كانت أحد أسباب انفصال أبي الحسن الأشعري عن المعتزلة؛ لأنّه تشدّد في قضية توقيفيّة الأسماء، وهي قد تفيد معانٍ عدّة ومقاصد مختلفة بالتحليل الأوّلي، لكن يهمّني هنا خصوص المعنى الفقهي الشرعي، فالتوقيفيّة بالمعنى الشرعي هنا تعني أنّه لا يجوز إطلاق أيّ اسم على الله تعالى إلا إذا كان وارداً في الكتاب والسنّة المعتبرة، أمّا ما لم يرد، مثل قولنا: واجب الوجود، أو الذات الإلهية المقدّسة، أو الضرورة الأزليّة، أو غير ذلك، فهذا لا يجوز لنا إطلاقه على الله سبحانه من الناحية الشرعيّة.
ويوجد هنا اتجاهان بين علماء المسلمين بمذاهبهم:
الاتجاه الأوّل: وهو الاتجاه الذي يحصر الأسماء بما ورد في النصّ لا غير، ويحرّم التسمية بغير ذلك، ويميل له في العادة المحدّثون.
الاتجاه الثاني: وهو ما ذهب إليه جماعة من العلماء ـ وهم كثيرٌ من المعتزلة والكرامية والإماميّة والزيدية، وبعض الأشاعرة، وجمهور الفلاسفة والعرفاء والمتصوّفة ـ من رفض توقيفيّة الأسماء شرعاً، وقالوا بجواز تسميته تعالى بكلّ ما ثبت صحّته عقلاً، ولم يرد فيه النهي شرعاً، حتى لو لم يرد فيه الإذن الخاصّ.
والذي توصّلتُ إليه، أنّه لا يوجد دليل مقنع يحرّم إطلاق الإسم على الله تعالى بغير ما جاء في الكتاب والسنّة الثابتة، وعلى هذا الأساس يجوز قراءة مثل دعاء الجوشن الكبير ولو كان ضعيفاً سنداً ولم نبنِ على قاعدة التسامح في أدلّة السنن.
نعم، يلزم في الإطلاق أن لا يوجِب شيئاً ينافي ساحته المقدّسة تبارك وتعالى أو يكون موهماً للتنافي، كما يلزم عدم نسبة هذا الإسم إلى الدين بحيث نعتبره اسماً دينيّاً ننسبه إلى الله وإلى الرسول، فهذا ابتداعٌ في الدين، كما ومن الضروري أن لا يكون إطلاق تسمياتنا على الله تعالى موجباً لهجران التسميات التي أطلقها القرآن عليه بوصفها إنشاءً للثقافة الدينية العقدية الصحيحة في حقّ الله سبحانه، وأمّا ما سوى ذلك فهو جائز، وإن كان الاحتياط سبيل النجاة لاسيما في مجال الدعاء والابتهال إلى الله سبحانه.
وأشير أخيراً إلى أنّ القول بتوقيفية الأسماء مغاير للقول بالتوصيف عند كثيرٍ منهم، فإذا قلت: إنّ الله واجب الوجود بالذات، فهذا لا ينافي عند كثيرين توقيفية الأسماء؛ لأنّك وصفته بوجوب الوجود، ولم تسمّه بذلك، بخلاف ما إذا قلت: لقد تجلّى واجب الوجود على الممكنات، فإنّ الكلمة أخذت هنا إسماً، فلزم التمييز، فليس كلّ من عبّر بواجب الوجود يكون قد خالف التوقيفية حتى عند بعض من يؤمن بالتوقيفيّة.
وقد تعرّضتُ باختصارٍ شديد لهذا الموضوع وبعض أدلّته الأساسيّة ومناقشاتها، وذلك في كتاب (إضاءات 3: 11 ـ 19، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 29 ـ 3 ـ 2022م