لم يتعرّض الفقه الإسلامي لهذا الموضوع وفقاً لمراجعة كتب التراث، بما هي المحاماة وظيفة ومهنة ولها معناها الخاص المتكامل في العصر الحديث، لكنّ الفقهاء المتأخّرين أشاروا لها هناك وهناك في بعض مواقفهم أو استفتاءاتهم. والمعروف السائد هو جواز المحاماة بشروطها. لكنّ بعض الفقهاء ـ مثل السيد صادق الشيرازي ـ لا يتحمّس لتكثير عدد المحامين، فيما بعضٌ آخر مثل السيد محمود الهاشمي على العكس تماماً، حيث يحث على تكثيرهم.
والمنسوب إلى المودودي والدكتور خادم حسين والشيخ عبد الله عزام من أهل السنّة هو القول بحرمة هذه المهنة، ولعلّهم يلاحظون كثرة الإشكاليّات التي تقع فيها، لا أنّهم ينظرون لأصلها بما هي هي، ومن الواضح أنّ الكثير من الأمور التي تقع في هذه المهنة ربما تكون محرّمة كتضليل العدالة، ولهذا فهي من الوظائف شديدة الخطورة والتي تحتاج من صاحبها إلى يقظة دائمة، لكنّ اشتمالها على مخاطرات بهذا المعنى لا يمنع منها، فالتجارات عموماً مشتملة على مخاطرات كثيرة في الوقوع في الحرام، بل وكذا الزيجات، حتى ورد أنّ التاجر فاجر حتى يتفقّه في الدين.
والذي توصّلتُ إليه، هو جواز المحاماة، بمعنى عدم وجود منع شرعي فيها، بل يمكن تصنيفها نوعاً من التوكيل في الخصومة، وقد وردت في هذا التوكيل نصوصٌ حديثيّة ترخّص فيه بل وتحثّ عليه. بل هناك أعمال يقوم بها المحامي ليست بالضرورة متصلة بالمرافعات فقط.. هذا كلّه شرط أنّ يجري المحامي على قواعد الشرع، فيُحقُّ الحقَّ ويبطل الباطل، دون العكس، ويعتمد الصدق دون الكذب والتزوير، ويعمل معيناً للقضاء في الوصول إلى الحقيقة، لا مضلّلاً له في ذلك، وغير ذلك من الشروط، بل في تقديري إنّ المحاماة ستكون مهمّة نبيلة راجحة إذا تحقّقت فيها هذه الشروط؛ إذ فيها إعانة للقضاء ونصرة للمظلوم.
ولا فرق في الموقف من مهنة المحاماة بين أن تكون في بلاد المسلمين وغيرهم، ولا بين ما إذا كانت القوانين وضعيّةً أو غيرها، ولا بين أن يكون المحامي ذكراً أو أنثى، ما دام العمل جارياً على وفق قواعد الشرع متوالماً معها ومع تبيان الحقّ وإعانة القضاء على قانون العدل.
ولمزيد اطّلاع حول الموضوع، راجع كتابي (إضاءات 4: 319 ـ 325، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
الخميس 5 ـ 5 ـ 2022م