من الواضح في الفقه الإسلامي جواز دفع الهاشمي للزكاة بنوعيها (زكاة المال وزكاة الفطرة) على الهاشمي وغيره، وحرمة دفع غير الهاشمي هذه الزكاة بنوعيها على الهاشمي. أمّا سائر الصدقات سواء كانت واجبة مثل الكفارات وردّ المظالم وفدية الصوم أم كانت مندوبة، فإنّ إعطاء الهاشمي لها للهاشمي وغيره، وكذلك إعطاء غير الهاشمي لها للهاشمي وغيره، جائزٌ لا إشكال فيه، لكنّ بعض الفقهاء يعمّم تحريم دفع غير الهاشمي للهاشمي لكلّ صدقة واجبة ولو لم تكن الزكاةَ المصطلحة بنوعيها.
وعلى أيّة حال، فقد استثنى بعض الفقهاء المتأخّرين، ويظهر أنّ هذا الاستثناء بدأ بالرواج منذ عصر السيد محسن الحكيم (1970م).. استثنى هنا حالة ما لو كانت الصدقة من نوع ما يُتعارف من إعطاء المال القليل لدفع البلاء ونحو ذلك، مما اعتبروا أنّه من “مراسم الذلّ والهوان”، حيث رأوا أنّ دفعها من قبل غير الهاشمي للهاشمي فيه إشكال، مما يفرض احتياطاً لازماً في عدم الدفع من جهة، بل قد يتعدّى لعدم أخذ الهاشمي لها من جهة أخرى. وقد صرّح بذلك العديد من الفقهاء، منهم: السيد محسن الحكيم، والسيد الخوئي، والسيد محمّد حسين فضل الله، والسيد محمد الروحاني، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والسيد السيستاني، والسيد محمّد صادق الروحاني، والسيد محمّد سعيد الحكيم، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والشيخ الوحيد الخراساني، وغيرهم. واستثنى الشيخ جواد التبريزي من هذه الحال ما لو كان آخذ الصدقة سائلاً بالكفّ فإنّه يجوز. كما علّق السيد كاظم الحائري هنا فقال: « نعم، لو جعل هو نفسه في محلّ السؤال بشكلٍ مهين مذلّ فالتصدّق عليه لا يزده ذُلاًّ وهواناً». هذا، وقد حذف السيد محمود الهاشمي والسيد كمال الحيدري من رسالتهما العمليّة هذا التعبير الوارد في المنهاج، مما قد يشي بعدم اقتناعهما به.
والذي يظهر لي بذهني القاصر أنّ أصل الحكم صحيح تكليفاً، وهو أنّه لا يجوز التصدّق بما يلزم منه الإهانة والمذلّة، فإنّ هذا من العدوان المحرّم على المؤمن. لكنّ القضيّة تكمن في أنّ هذا من الأمور المصداقيّة الخارجيّة، وإلا فما الفرق في الصدقة التي يلزم منها الإهانة بين كونها على الهاشمي أو غيره؟ ولماذا تستلزم في الهاشمي الإهانة ولا تستلزمها في غيره حتّى نخصّ الهاشمي بالذكر؟! بل لعلّ الصدقة القليلة المرفقة بالمحبّة والتقدير تستلزم الإكبار والإجلال، بينما الصدقات الكبيرة المرفقة بأساليب غير أخلاقيّة تستلزم الإهانة، بلا فرق في ذلك بين الهاشمي وغيره. ودعوى أنّ صيرورة الصدقة مورداً للإهانة ربما يكون محقّقاً لملاك تحريم زكاة غير الهاشمي على الهاشمي (مفهوم أوساخ الناس)، فتكون محرّمةً تكليفاً ووضعاً نتيجة ذلك.. قابلةٌ للمناقشة، بل هو قياس غير مكتمل؛ لأنّ التوصيف هناك جاء لنفس المال لا لطريقة إعطائه، بينما المال هنا منزّهٌ عن صفة كونه من الأوساخ، والإهانة جاءت بعنوانٍ مصاحِب، وهل كون القصد من الدفع أن يدرأ الإنسان البلاء عن نفسه يوجب صيرورة المال قذراً أو مهيناً؟! بل روايات “أوساخ الناس” نفسها قابلة للنقاش سنداً ومتناً كما تحدّثنا عن ذلك في محلّه.
والحاصل: إنّ هذا الحكم ليس فيه بعنوانه شيء من الكتاب والسنّة، فليس هناك فرق فيه بين الهاشمي وغيره، إنّما هي عناوين ثانويّة لاحظها الفقيه، وهي تجري ـ تكليفاً ـ في الهاشمي وغيره.
حيدر حبّ الله
الاثنين 13 ـ 12 ـ 2021م