تنوّعت الآراء الفقهيّة عند علماء الإسلام حول موضوعٍ حقوقي يحظى بأهميّة في العلاقات الزوجيّة، وهو موضوع الحقّ الجنسي للزوجة. وقد بلغت آراؤهم في تحديد هذا الحقّ ما يزيد عن ستة، بين قائلٍ بعدم ثبوت حقّ لها مطلقاً، وهو المنسوب للعديد من علماء الشافعيّة، وقائلٍ بحقّها في مقاربة واحدة طيلة فترة الزوجيّة، وهو المنسوب لأبي حنيفة (150هـ)، وقائلٍ بثبوت حقّ لها بمقاربة واحدة كلّ أربعة أشهر قمريّة، وهو ما لعلّه المعروف من مذهبَي: الحنابلة والإماميّة، وقائلٍ بحقّها في مقاربة واحدة كلّ أربع ليالٍ، كما هو المنسوب للمالكيّة وللغزالي (505هـ) من الشافعيّة، وقائلٍ بأنّ المعيار هو تحصينها واكتفاؤها، وهو المنسوب لابن تيمية (728هـ)، وناصره العديد من الفقهاء والباحثين المعاصرين، من أمثال الدكتور عبد الكريم زيدان (2014م)، وغير ذلك.
وقال بعض فقهاء الإماميّة بأنّه يجب على الزوج أيضاً المقاربة لو خيف على الزوجة من الوقوع في الزنا إذا لم يقاربها، فيما اختار العلامة محمّد حسين فضل الله (2010م) ـ في ظاهر عباراته ـ القولَ بتساوي حقّ الرجل والمرأة جنسيّاً، فكما يلزمها أن تلبّي رغبته حيث أراد، يلزمه هو ذلك أيضاً.
والذي توصّلتُ إليه في مقالةٍ نشرتُها في مجلّة فقه أهل البيت عام 2001م، ثم طوّرتُها ونشرتها في كتابٍ لي، هو ثبوت الحقّ للزوجة بالمقاربة بما يزيل ـ من جهةٍ أولى ـ مبرّرات انحرافها الأخلاقي، ويعدّ ـ من جهة ثانية ـ عرفاً وعقلائيّاً مصداقاً لعنوان العشرة بالمعروف، ومن ثمّ فلا توجد تحديدات زمانية في الشرع تتصل بهذا الموضوع، كما لا يقف الأمر عند حدود الخوف من وقوعها في الزنا، ولا يصحّ إطلاق ما ذهب إليه العلامة فضل الله من أنّ عليه تلبيتها كلّما أرادت، بما يوحي وكأنّه ليس له التخلّف عن ذلك مطلقاً، بل القضية عرفيّة تتصل بصدق عنوان أنّ الرجل يتعامل معها بما هو المعروف والعشرة الحسنة على هذا الصعيد، بلا فرق في ذلك بين أن تكون شابةً أو غيرها.
وبهذا استنتجتُ أنّ القضية لا تتصل بالمفهوم الدقيق لإدخال الرجل، بل قد تكون لها صلة بعمليّة مكتملة يصدق معها أنّه غير مقصّر عرفاً وعقلائيّاً في هذه العلاقة، وهو ما يختلف باختلاف الظروف والطبائع.
ولمزيد توسّع، راجع بحث «حقوق الزوجة الجنسيّة، دراسة فقهيّة استدلاليّة»، والمنشور في كتابي المتواضع: (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 2: 453 ـ 485، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 14 ـ 9 ـ 2021م