نادراً ما تطرّق الفقهاء بشكل صريح لمسألة جهاد المال والنفس من حيث بدليّتهما، بمعنى أنّه هل يسقط وجوب الجهاد عن المكلّف وذهابه للحرب إذا جاهد بماله فدفع مبلغاً من المال تحتاجه الحرب، ولم يكن المال المعدّ لتكاليف الحرب كافياً، أو لا؟ والعكس صحيح فلو جاهد شخص بنفسه فذهب إلى ساحات الحرب فهل يسقط عنه تكليف الجهاد بالمال لمجرّد أنّه جاهد بنفسه أو لا؟ ومن الواضح أنّ جهاد المال الذي تكلّم عنه القرآن كثيراً هو فريضة مالية مستقلّة عن فريضة الخمس والزكاة ونحو ذلك، وقد كان المسلمون في العصر النبوي يجهّزون أنفسهم أو يجهّز بعضهم بعضاً، أمّا اليوم فحيث إنّ الدول هي التي تقوم بتغطية نفقات الحرب والجيش، فإنّ تكليف الجهاد المالي معناه وجوب دفع المال لو نقصت ميزانيّة الدولة أو الجهة المجاهِدة ولم تعد قادرة على تغطية كامل النفقات اللازمة.
يظهر من عبارات بعضٍ قليل من الفقهاء ـ مثل الشيخ النجفي صاحب الجواهر ـ أنّه إذا وجب الجهاد بالنفس سقط الجهاد بالمال، ويلوح من عبارات أخرى أنّه يسقط الجهاد بالنفس مع القيام بالجهاد المالي. وينتج عن التكليف بأحدهما، لا بهما معاً، أنّه لو دفع شخص غنيٌّ مالاً أمكنه التخلّف عن الجهاد بنفسه والعكس صحيح. لكنّ بعض الفقهاء ـ من أمثال السيد الخوئي والشيخ الوحيد الخراساني والسيد محمود الهاشمي وغيرهم ـ قالوا بأنّ جهاد المال وجهاد النفس تكليفان مستقلان واجبان عند تحقّق شروطهما، والإتيان بأحدهما لا يسقط تكليف الآخر.
ويجب أن أُلفت النظر هنا إلى أنّ بعض فقهاء الإماميّة عندما يتحدّث عن قضايا فقه الجهاد، فهو يقصد الجهاد الابتدائي خاصّة دون الدفاعي، وأحياناً يكون الحكم مشتركاً بينهما فليلاحظ ذلك، فقد يكون مقصود بعض من أسقط الجهاد بالنفس، لو جاهد شخصٌ بماله، خصوص الجهاد الابتدائي دون الدفاعي، وقد يفهم من بعضٍ التعميم.
والذي توصّلتُ إليه في بحوث الجهاد هو أنّ جهاد المال وجهاد النفس واجبان مستقلان عن بعضهما، يجب على المكلّف العمل بكلّ واحد منهما عند تحقّق شروط الوجوب فيه، فلو تحقّقت شروط الوجوب فيهما معاً في حقّه لزمه دفع المال والذهاب للحرب معاً، ولا يجزيه أحدهما عن الآخر. والنصوص القرآنيّة والحديثيّة ظاهرة جداً في كونهما تكليفَين مستقلّين، ولا فرق في ذلك كلّه بين الجهاد الدفاعي والجهاد الابتدائي لو قلنا به، وقد سبق أن قلنا بأنّنا لا نرى شرعيّةَ الجهاد الابتدائي.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 29 ـ 12 ـ 2021م