يُفهم من الموروث الفقهي أنّ ابن الزنا ليس ولداً شرعيّاً؛ لهذا فلا تترتّب آثار البنوّة الشرعيّة عليه، فلا يُلحق بوالديه أو بأبيه، فالحديث الشريف يقول: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وهذا معناه أنّه لا توجد للزاني أيّ نتيجة من فعله سوى الحجر، فلا يُلحق به ولدُه، وليست الأسرة الشرعيّة إلا تلك التي تكون ناتجةً عن الفراش، أي عن سرير الزوجيّة لا غير. كما أنّه قد ورد في بعض الروايات أنّ ابن الزنا «لِغَيّة»، أي وكأنّه لا أثر له، إنما هو ابن زنية، لا قيمة له، وهو ساقطٌ عن الاعتبار، وهذا معناه أنّ الشرع سلب منه مقوّمات الارتباط الأسري، فأصبح بلا أسرة، أي أنّ ولد الزنا ليس له أسرة ينتمي إليها مطلقاً، أو على الأقلّ من طرف والده، وهذا ما يُعرف في الفقه الإسلامي بنفي الإلحاق.
إلا أنّ العديد من الفقهاء المتأخّرين ـ وعلى رأسهم السيّد الخوئي ـ ذهبوا إلى أنّ مفاهيم الأبوّة والبنوّة والأمومة والأخوة والعمومة و.. هي عناوين واقعيّة تكوينيّة لم تقم الشريعة بوضعها، وكلّ ما فعلته الشريعة أنّها لم تورّث ولد الزنا، وهذا غير نفي إلحاق ولد الزنا بأبيه حتى نقتلعه من مناخه الأسري، فالصحيح عند هؤلاء الفقهاء المتأخّرين هو ترتيب كلّ الآثار الأسريّة على ولد الزنا عدا الإرث؛ لورود النصّ فيه عندهم.
والذي توصّلتُ إليه هو صحّة الانتماء الأسري الكامل لولد الزنا، بمعنى ترتيب تمام آثار العلاقات الأسريّة من المحرّمات والرخص على ولد الزنا، حيث يثبت انتسابه لزيد أو لعمرو أو لهندٍ أو لغيرها، إلا ما خرج بالدليل، تماماً كأيّ ولد آخر، فتكون هذه أسرته ويجوز له كلّ ما يجوز لغيره مع أسرته ويحرم عليه كلّ ما يحرم على غيره مع أسرهم. وعليه فلا يدفع الأب زكاته له، إذ إنّه ولده تجب عليه نفقته، ولا تدفع الزكاة لمن تجب نفقته على الدافع، وكذلك تجري فيه أحكام العقيقة، وسائر أحكام الأولاد، والنفقات، والمحارم، وصلة الرحم، والأنكحة، والنظر واللمس، وغير ذلك، إلا ما خرج بالدليل الخاصّ بنحو الاستثناء.
ولعلّ ما ينبّه على صحّة ما توصّلنا إليه هو أنّ فريقاً كبيراً من فقهاء المسلمين لا يجيز لولد الزنا أن ينكح أحد محارمه المفترضين في الأسرة التي هو منها واقعاً، بمعنى أنّه لو زنا شخص بامرأة، فولدت بنتاً، يحرم على الزاني نكاح هذه البنت، وكذلك يحرم على أولاده نكاحها، وهكذا، مع أنّ المفروض أنّ علاقة النسبيّة قد تلاشت وفقاً للادّعاء الفقهي المشهور، ولهذا يميّز بعض فقهاء أهل السنّة فيقولون بأنّ ولد الزنا هو ولد تحريم، وليس ولَدَ محرميّة، لكي يحرّموا عليه النكاح في أقربائه الذين سلبت عنهم سمة القرابة بالنسبة إليه شرعاً. وليس هناك دليل صريح وواضح في هذه التمييزات، فإذا سُلبت العلاقة النسبية تماماً فكيف عرفنا أنّه لا يجوز له النكاح في أقاربه الواقعيّين الذين سُلبت قرابتهم عنه؟!
ولمزيد تفصيل حول قاعدة الفراش والنقاشات في الانتماء النسبي لولد الزنا، يمكن مراجعة بحث «ولد الزنا في الفقه الإسلامي، قراءة وتقويم» والمنشور في كتابي: (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 315 ـ 388، الطبعة الأولى، 2015م؛ وكذلك راجع كتاب: إضاءات 1: 390 ـ 393، الطبعة الأولى، 2013م).
حيدر حبّ الله
الأربعاء 23 ـ 3 ـ 2022م