المعروف بين الفقهاء المسلمين أنّ الجهاد الدفاعي لا يحتاج لأخذ أيّ إذن من أيّ أحد، بمن في ذلك الإمام المنصوص، ومطلق الحاكم الشرعي. أمّا الجهاد الابتدائي فهو مشروط بإذن الإمام المنصوص أو الإمام الشرعي ولو لم يكن منصوصاً.
ونادراً ما وجدتُ في الوسط الإمامي من خالف في هذا الحكم. ومن الذين اشترطوا إذن الحاكم الشرعي السيدُ محمود الهاشمي. أمّا السيد محمّد محمّد صادق الصدر فلم يشرطه بإذن الحاكم، غير أنّه قال بأنّه لو توقّف الجهاد الدفاعي على ترتيب الأمر وتنظيمه وتولّي قيادته، لزم أخذ إذن الفقيه، فكأنّ الشرط عنده لترتيب وقيادة العمليّة الجهاديّة، لا لأصل الجهاد الدفاعي.
لكنّ الذي توصّلتُ إليه بنظري المتواضع، هو أنّه يجب علينا التمييز بين مفهومين: مفهوم الدفاع الشخصي، ومفهوم الجهاد الدفاعي، فالدفاع الشخصي أو الدفاع الخاصّ هو أن يقوم الفردُ بالدفاع عن نفسه وماله وعرضه من هجوم شخصٍ آخر معتدٍ عليه، فلو اقتحم لصٌّ منزله كان له حقّ الدفاع عن ماله وعرضه، ولو هجم عليه شخص في الطريق يريد العدوان عليه لزمه الدفاع ضمن قواعد في فقه الدفاع الشخصي تعرّض لها الفقهاء في محلّه. وبهذا يكون الدفاع الشخصي شأناً فرديّاً، لا صلة له في ذاته ونوعه بالحالة العامّة والقضايا المجتمعيّة، فلا يحتاج لإذن سلطةٍ شرعيّة أساساً، وأدلّتُه ليس فيها أيّ تقييد بذلك. أمّا الجهاد الدفاعي أو الدفاع العام فيعني أن يقوم المسلمون ـ بوصفهم أمّة وجماعة ـ بمحاربة عدوّ يغزو بلدانهم أو بمحاربته لتحرير بلدانهم التي استولى عليها أو بمحاربته لو خيف على وجود الإسلام منه، أو نحو ذلك، فهنا يرتبط هذا الموضوع بالجانب المجتمعي، ويدخل ضمن “الشأن العام“، وكلّ ما كان كذلك في نوعه، ويلزم ـ نوعاً ـ من إحالته للأفراد هرجٌ ومرج، فإنّ المرجع في البتّ فيه هي السلطة الشرعيّة حيث تكون موجودة (الولي الفقيه بناء على مثل نظريّة ولاية الفقيه، أو المنتخَب من قبل الشعب ولو لم يكن فقيهاً بناء على نظريّات أخرى، أو غير ذلك)، انطلاقاً من شمول نصوص “عدم الجهاد إلا مع الإمام العادل“ للجهاد الدفاعي، وبخاصّة بناءً على ما ذهبنا إليه من عدم شرعيّة الجهاد الابتدائي بالعنوان الأوّلي، بل وانطلاقاً كذلك من قواعد الفقه السياسي التي توصل إلى نتيجة إحالة الشأن العام الذي من هذا النوع للسلطة الشرعيّة. وينتج عن ذلك كلّه أنّ الجهاد الدفاعي مشروطٌ ـ بالعنوان الأوّلي ـ بإذن السلطة الشرعيّة، ولو إذناً عامّاً معلوماً مسبقاً، بصرف النظر عن اختلاف الفقهاء في معايير السلطة الشرعيّة، فهذا بحث آخر. وعليه فلا يمكن لأيّ مجموعة كيفما كان، أن تعمد إلى إدارة الجهاد أو ممارسته دون مرجعيّة قانونيّة ذات سلطة اعتباريّة مقرّرة في الشرع أو ممضاة.
أمّا لو قلنا بعدم شرطيّة إذن السلطة الشرعية في الجهاد الدفاعي، فإنّ اشتراط إذنها في تنظيم أمور الجهاد وقيادته، ليس ثابتاً، إلا إذا توقّفت إدارة العمليّة الجهادية على تدخّل السلطة الشرعيّة وتولّيها الأمر، فالشرط هنا ثانويٌّ وليس أوّليّاً، ومع ثانويّته لا دليل على حصره بالسلطة الشرعيّة، فلو تسنّى ترتيب العمليّة الدفاعيّة دون رجوع للسلطة الشرعيّة جاز، بينما الشرط بناءً على ما توصّلنا نحن إليه أوّليٌّ، فانتبه ولاحظ.
هذا، وأمّا لو وقع خلاف ناتج عن تحديد المرجعيّة السلطويّة القانونيّة هذه، فهذا أمرٌ آخر يُرجع فيه لمباحث الفقه السياسي، ونتركه لمناسبة أخرى نتعرّض فيها له إن شاء الله تعالى.
ملاحظة: كنت ألقيت بحوث هذا الموضوع في فقه الجهاد بين عامي 2005 ـ 2007م، ولم تُنشر دروسي المتواضعة هذه في فقه الجهاد بعدُ، ولعلّ الله يوفّق لنشرها، فهي في قرابة ثلاثة مجلّدات، لكن لأخذ فكرة عن وجهة نظري في الموضوع يمكن مراجعة المحاضرة العامّة المقرّرة كتبيّاً، والتي ألقيتُها في “مجمع الاعتصام بالكتاب والعترة” في مدينة قم، عام 2013م، والموجودة في موقعي الالكتروني تحت عنوان: “الحاكم الشرعي ودوره في إدارة عمليّة الجهاد”.
حيدر حبّ الله
الأحد 2 ـ 1 ـ 2022م