المشهور بين الفقهاء ـ بل لعلّه المجمع عليه ـ هو أنّه لا توارث بين ولد الزنا وأبيه وكذلك أقارب أبيه، فلا يرثون منه شيئاً ولا يرث منهم شيئاً، بل عمّم كثيرٌ منهم الحكمَ للأم وقرابتها كذلك، لكنّ بعض الفقهاء خصّصوا الحكم بنفي التوارث بطرف الأب، وفهموا نصوص قطع التوارث على أنّها خاصّة بطرف الأب، ولا تشمل الأم وأقاربها، وذلك مثل كثير من فقهاء أهل السنّة الذين قالوا ببقاء العلقة النسبيّة بين الولد وأمّه، ومثل الشيخ محمد إسحاق الفياض من الإماميّة، حيث خصّص نفي التوارث بطرف الأب.
وحكم التوارث هذا خاصّ بولد الزنا مع والدَيه وأقاربهم، أما توارثه مع زوجته أو أولاده، فلم يقل الفقهاء بانقطاع صلة الإرث هنا، بل هو يرثهم وهم يرثونه.
ولكنّ الذي توصّلتُ إليه هو:
1 ـ إنّ علاقة التوارث بين ولد الزنا وطرف الأم (الأم وأقاربها) ثابتة.
2 ـ إنّنا لم نعثر على دليل يمنع التوارث بين ولد الزنا وبين زوجته وأولاده وأمثالهم، فتجري فيه القاعدة.
3 ـ إنّ الزاني لا يرث من ابنه بالزنا، ولا يرثه ابنه، ما دامت قاعدة الفراش جارية، وموردها محدَّدٌ وخاصّ، وهو الشكّ في الانتساب، فيرث ابن الزنا هنا من والده الشرعي حكماً، ومثاله ما لو كانت المرأة/الأم متزوّجةً وزنت، ثم حملت، ففي هذه الحال ما لم يُعلم بنسبة الولد للزاني، فإنّ قاعدة الفراش تجري، وتحكُمُ بنسبة الولد لزوج المرأة، وليس للزاني شيء.
4 ـ إنّ الزاني لا يرث من ولده بالزنا حتى لو تمّت نسبته إليه شرعاً وواقعاً، ولعلّ ذلك من باب العقوبة له، ولابدّ من فرضه زانياً، فلو حصل ذلك منه عن شبهة لم تجر هذه الأحكام. وأمّا الأم فلم يرد في حقّها مثل هذا، حتى لو كانت زانيةً غير مكرهة أو مشتبهة. وهذا ـ عدم وراثة الأب الزاني ـ احتياطيٌ عندي؛ لأنه لم يثبت سوى بما يقرب من روايتين فقط، واحدة منهما صحيحة السند بدلالةٍ لا بأس بها.
5 ـ إنّه لم يقم دليل على عدم إرث ولد الزنا لأبيه أو أقاربه من طرف الأب، في كلّ موردٍ لا تجري فيه قاعدة الفراش، فيرثهم جميعاً، حتى لو لم تثبت وراثتهم له.
ولمزيد اطّلاع على الأدلّة والمناقشات حول هذه القضيّة، يمكن مراجعة بحثي حول «ولد الزنا في الفقه الإسلامي، قراءة وتقويم»، والمنشور في كتاب: (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 315 ـ 388، الطبعة الأولى، 2015م).
حيدر حبّ الله
الخميس 17 ـ 2 ـ 2022م