hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (غسل الجنابة ـ القسم الثاني/الكيفيّة والأحكام)

تاريخ الاعداد: 2/29/2024 تاريخ النشر: 2/29/2024
2810
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(26 ـ 2 ـ 2024م)

 

الفصل الرابع

واجبات غسل الجنابة

في واجباته: فمنها النية، ولا بدّ فيها من الاستدامة إلى آخر الغسل كما تقدّم تفصيل ذلك كلّه في الوضوء([1]).

ومنها: غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقّق به مسماه، فلا بدّ من رفع الحاجب وتخليل ما لا يصل الماء معه إلى البشرة إلا بالتخليل([2])، ولا يجب غسل الشعر، إلا ما كان من توابع البدن، كالشعر الرقيق([3])، ولا يجب غسل الباطن أيضاً([4]). نعم الأحوط استحباباً غسل ما يشكّ في أنّه من الباطن أو الظاهر، إلا إذا علم سابقاً أنّه من الظاهر ثمّ شكّ في تبدّله([5]).

ومنها: الإتيان بالغسل على إحدى كيفيّتين:

أولاهما: الترتيب بأن يغسل أوّلاً تمام الرأس، ومنه العنق، ثمّ بقية البدن، والأحوط الأولى أن يغسل أوّلاً تمام النصف الأيمن ثمّ تمام النصف الأيسر([6])، ولا بدّ في غسل كلّ عضو من إدخال شي‌ء من الآخر من باب المقدّمة([7])، ولا ترتيب هنا بين أجزاء كلّ عضو، فله أن يغسل الأسفل منه قبل الأعلى، كما أنّه لا كيفيّة مخصوصة للغسل هنا، بل يكفي المسمّى كيف كان، فيجزي رمس الرأس بالماء أوّلاً، ثمّ الجانب الأيمن، ثم الجانب الأيسر، كما يكفي رمس البعض، والصبّ على الآخر. ولا يكفي تحريك العضو المرموس في الماء على الأحوط([8]).

ثانيتهما: الارتماس، وهو تغطية البدن في الماء تغطية واحدة بنحو يحصل غسل تمام البدن فيها، فيخلّل شعره فيها إن احتاج إلى ذلك ويرفع قدمه عن الأرض إن كانت موضوعة عليها، والأحوط وجوباً أن يحصل جميع ذلك في زمان واحد عرفاً([9]).

مسألة 184: النية في هذه الكيفيّة، يجب أن تكون مقارنة لتغطية تمام البدن([10]).

مسألة 185: يعتبر خروج البدن، كلاً أو بعضاً، من الماء، ثمّ رمسه بقصد الغسل على الأحوط([11])، ولو ارتمس في الماء لغرض ونوى الغسل بعد الارتماس، لم يكفه وإن حرّك بدنه تحت الماء([12]).

ومنها: إطلاق الماء، وطهارته، وإباحته، والمباشرة اختياراً، وعدم المانع من استعمال الماء من مرض ونحوه، وطهارة العضو المغسول على نحو ما تقدّم في الوضوء. وقد تقدّم فيه أيضاً التفصيل في اعتبار إباحة الإناء والمصبّ، وحكم الجبيرة، والحائل وغيرهما من أفراد الضرورة، وحكم الشك، والنسيان، وارتفاع السبب المسوّغ للوضوء الناقص في الأثناء وبعد الفراغ منها، فإنّ الغسل كالوضوء في جميع ذلك([13]). نعم، يفترق عنه في جواز المضيّ مع الشكّ بعد التجاوز وإن كان في الأثناء([14])، وفي عدم اعتبار الموالاة فيه في الترتيبي([15]).

مسألة 186: الغسل الترتيبي أفضل من الغسل الارتماسي([16]).

مسألة 187: يجوز العدول من الغسل الترتيبي إلى الارتماسي([17]).

مسألة 188: يجوز الارتماس فيما دون الكرّ([18])، وإن كان يجري على الماء حينئذ حكم المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

مسألة 189: إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت، فتبيّن ضيقه، فغسله صحيح([19]).

مسألة 190: ماء غسل المرأة من الجنابة، أو الحيض، أو نحوهما عليها، لا على الزوج([20]).

مسألة 191: إذا خرج من بيته بقصد الغسل في الحمام فدخله واغتسل، ولم يستحضر النية تفصيلاً، كفى ذلك في نية الغسل إذا كان بحيث لو سئل ماذا تفعل، لأجاب بأنّه يغتسل، أما لو كان يتحيّر في الجواب، بطل لانتفاء النية([21]).

مسألة 192: إذا كان قاصداً عدم إعطاء العوض للحمامي، أو كان بناؤه على إعطاء الأموال المحرّمة، أو على تأجيل العوض مع عدم إحراز رضا الحمامي، بطل غسله، وإن استرضاه بعد ذلك([22]).

مسألة 193: إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل، وبعد الخروج شكّ في أنّه اغتسل أم لا بنى على العدم، ولو علم أنّه اغتسل، لكن شكّ في أنّه اغتسل على الوجه الصحيح أم لا، بنى على الصحّة.

مسألة 194: إذا كان ماء الحمام مباحاً، لكن سخّن بالحطب المغصوب، لا مانع من الغسل فيه.

مسألة 195: لا يجوز الغسل في حوض المدرسة، إلا إذا علم بعموم الوقفية، أو الإباحة. نعم إذا كان الاغتسال فيه لأهلها من التصرّفات المتعارفة جاز.

مسألة 196: الماء الذي يسبّلونه، لا يجوز الوضوء، ولا الغسل منه، إلا مع العلم بعموم الإذن.

مسألة 197: لبس المئزر الغصبي حال الغسل وإن كان محرّماً في نفسه، لكنّه لا يوجب بطلان الغسل.

 

الفصل الخامس

مستحبّات غسل الجنابة

قد ذكر العلماء «رض» أنّه يستحبّ غَسل اليدين أمام الغُسل([23])، من المرفقين ثلاثاً، ثم المضمضة ثلاثاً، ثم الاستنشاق ثلاثاً، وإمرار اليد على ما تناله من الجسد، خصوصاً في الترتيبي([24])، بل ينبغي التأكّد في ذلك وفي تخليل ما يحتاج إلى التخليل، ونزع الخاتم ونحوه، والاستبراء بالبول([25]) قبل الغسل([26]).

 

(أحكام غسل الجنابة)

مسألة 198: الاستبراء بالبول ليس شرطاً في صحّة الغسل، لكن إذا تركه واغتسل ثم خرج منه بلل مشتبه بالمني، جرى عليه حكم المني ظاهراً، فيجب الغسل له كالمنيّ، سواء استبرأ بالخرطات، لتعذّر البول أم لا، إلا إذا علم بذلك أو بغيره عدم بقاء شي‌ء من المني في المجرى([27]).

مسألة 199: إذا بال بعد الغسل ولم يكن قد بال قبله، لم تجب إعادة الغسل وإن احتمل خروج شي‌ء من المنيّ مع البول.

مسألة 200: إذا دار أمر المشتبه بين البول والمنيّ بعد الاستبراء بالبول والخرطات، فإن كان متطهّراً من الحدثين، وجب عليه([28]) الغسل والوضوء معاً، وإن كان محدثاً بالأصغر وجب عليه الوضوء فقط.

مسألة 201: يجزي غسل الجنابة عن الوضوء لكلّ ما اشترط به([29]).

مسألة 202: إذا خرجت رطوبة مشتبهة بعد الغسل، وشكّ في أنّه استبرأ بالبول أم لا، بنى على عدمه، فيجب عليه الغسل([30]).

مسألة 203: لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة، بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص والاختبار، وأن يكون لعدم إمكان الاختبار من جهة العمى، أو الظلمة، أو نحو ذلك.

مسألة 204: لو أحدث بالأصغر في أثناء الغسل من الجنابة استأنف الغسل([31])، والأحوط استحباباً ضمّ الوضوء إليه.

مسألة 205: إذا أحدث أثناء سائر الأغسال بالحدث الأصغر أتمّها وتوضّأ، ولكنّه إذا عدل عن الغسل الترتيبي إلى الارتماسي، فلا حاجة إلى الوضوء، إلا في الاستحاضة المتوسّطة([32]).

مسألة 206: إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل، فإن كان مماثلاً للحدث السابق، كالجنابة في أثناء غسلها، أو المسّ في أثناء غسله، فلا إشكال في وجوب الاستئناف([33])، وإن كان مخالفاً له فالأقوى عدم بطلانه([34])، فيتمّه ويأتي بالآخر، ويجوز الاستئناف بغسل واحد لهما ارتماساً. وأما في الترتيبي فيقصد به رفع الحدث الموجود على النحو المأمور به واقعاً([35])، ولا يجب الوضوء بعده([36]) في غير الاستحاضة المتوسطة.

مسألة 207: إذا شكّ في غسل الرأس والرقبة قبل الدخول في غسل البدن، رجع وأتى به، وإن كان بعد الدخول فيه لم يعتن ويبني على الإتيان به على الأقوى([37])، وأمّا إذا شك في غسل الطرف الأيمن فاللازم الاعتناء به حتى مع الدخول في غسل الطرف الأيسر.

مسألة 208: إذا غسل أحد الأعضاء، ثم شكّ في صحّته وفساده، فالظاهر أنّه لا يعتني بالشك، سواء كان الشك بعد دخوله في غسل العضو الآخر، أم كان قبله.

مسألة 209: إذا شكّ في غسل الجنابة بنى على عدمه، وإذا شكّ فيه بعد الفراغ من الصلاة، واحتمل الالتفات إلى ذلك قبلها فالصلاة محكومة بالصحّة، لكنّه يجب عليه أن يغتسل للصلوات الآتية. هذا إذا لم يصدر منه الحدث الأصغر بعد الصلاة، وإلا وجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل، بل وجبت إعادة الصلاة أيضاً إذا كان الشك في الوقت، وأمّا بعد مضيه فلا تجب إعادتها([38]). وإذا علم ـ إجمالاً ـ بعد الصلاة ببطلان صلاته أو غسله، وجبت عليه إعادة الصلاة فقط.

مسألة 210: إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة واجبة، أو مستحبة، أو بعضها واجب وبعضها مستحب، فقد تقدّم حكمها في شرائط الوضوء في المسألة «141» فراجع([39]).

مسألة 211: إذا كان يعلم ـ إجمالاً ـ أنّ عليه أغسالاً، لكنّه لا يعلم بعضها بعينه، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه، وإذا قصد البعض المعيّن كفى عن غير المعيّن، وإذا علم أنّ في جملتها غسل الجنابة وقصده‌ في جملتها أو بعينه، لم يحتج إلى الوضوء، بل الأظهر عدم الحاجة إلى الوضوء مطلقاً([40]) في غير الاستحاضة المتوسّطة([41]).


([1]) قد أسلفنا هناك أيضاً عدم اشتراط النيّة ولا قصد القربة في الطهارات الثلاث.

([2]) أسلفنا في الوضوء الموقف من رفع الحاجب، فراجع.

([3]) الأحوط وجوباً غسل الشعر الذي ليس من توابع البدن أيضاً.

([4]) خلافاً للعديد من فقهاء الأحناف الذين قالوا بوجوب غسل الفم والأنف، وكذلك فقهاء الحنابلة الذين قالوا بوجوب المضمضة والاستنشاق.

([5]) قد أسلفنا في باب الوضوء ما يرتبط بهذه الحال، فراجع.

([6]) يذهب مشهور فقهاء الإماميّة ـ بل ادُّعيَ عليه الإجماع ـ إلى وجوب الترتيب في الغسل الترتيبي بين الرأس والجسد، فيبدأ المكلّف بغسل رأسه أوّلاً، ثم بعد ذلك يغسل جسده. وقد وقع نقاش بينهم في أنّ الرقبة تدخل في الرأس هنا أو في الجسد، حتى أنّ بعضهم احتاط بغسلها مرّتين، مع الرأس ثمّ الجسد. وذهب الكثير من الفقهاء أيضاً إلى لزوم ترتيبٍ آخر هنا، وهو تقديم النصف الأيمن من الجسد على النصف الأيسر، فلو أخلّ بهذا الترتيب بطل الغسل، ولزمته الإعادة فيما تقتضيه. وخالف العديدُ من المتأخّرين في الترتيب الثاني ـ أعني بين الأيمن والأيسر ـ فرأوا أنّه مقتضى الأحوط الأولى، لكنّه ليس بلازم، لكنّ جمهور الفقهاء ظلّ متوافقاً تقريباً على لزوم الترتيب بين الرأس والجسد. غير أنّ اللافت هنا أنّ السيد علي السيستاني احتاط وجوباً في تقديم الرأس على البدن، واحتاط استحباباً في تقديم اليمين على اليسار، كما أنّ الشيخ محمّد الصادقي الطهراني والشيخ ناصر مكارم الشيرازي نفيا وجوب الترتيب مطلقاً هنا، سواء بين الرأس والبدن، أو بين الجانب الأيمن والأيسر.

والأقرب أنّه لا يجب الترتيب، لا بين الرأس والجسد، ولا بين الأيمن والأيسر. نعم مقتضى الاحتياط الوجوبي هو أن لا يغسل جَسَده أوّلاً وبعد الانتهاء يغسل رأسه، لكن لو غسلهما معاً فلا بأس وصحّ غسله. وهذا كلّه في جميع الأغسال الواجبة والمستحبّة، عدا غسل الميّت، فله أحكام خاصّة أخرى تأتي. ويترتّب على ما قلناه أنّه لو نسي غسل بقعة من بدنه، أمكنه لاحقاً أن يغسلها هي فقط، بلا فرقٍ بين أن تكون في الجسد أو في الرأس. وبهذا يتطلّب الموقف ـ صياغيّاً ـ إلغاء اسم الغسل الترتيبي هنا، فلاحظ وانتبه. بل لو جمعنا هذه النتيجة إلى ما كنّا قلناه سابقاً من عدم عباديّة الطهارات الثلاث، كان هذا حلاً كبيراً لأولئك الذين لم يكونوا ليغتسلوا غسل الجنابة أو الحيض لفترات في حياتهم.. إذ الناس في العادة تستحمّ أثناء الأسبوع، وبخاصّة أنّ الكثير من الفقهاء يعتبرون أنّ الإخلال بالترتيب عمداً أو سهواً أو جهلاً يوجب بطلان الغسل ومن ثمّ إعادة الصلوات كلّها وقضائها.

والمجال لا يسع للتوسّع، لكن أشير باختصار إلى أنّه يمكن فرز عمدة النصوص إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: ما يشكّل النسبة الأغلب من النصوص التي استدلّوا بها، وهي النصوص التي تشتمل متونُها على الجمع بين بيان مستحبّات وواجبات معاً، فيُسأل الإمام عن كيفيّة غسل الجنابة، فيجيب بسرد مجموعةِ أمور، كثيرٌ منها مستحبّ وبعضها واجب يعلم وجوبه من الخارج. وأثناء بيانه يذكر تقديم الرأس على الجسد ضمن هذا المزيج من بيان الواجبات والمستحبّات.

وقد قلنا في محلّه بأنّه في هذه الحال لا يستقرّ ظهورٌ في الوجوب إلا بقرينة إضافيّة، خلافاً لما ذهب إليه العديد من الأصوليّين.

المجموعة الثانية: وهي المجموعة المطلقة، والتي تقف في مقابل ما ذهب إليه المشهور، وذلك أنّ الإمام يجيب السائلين في هذه المجموعة ـ عندما كانوا يسألونه عن غسل الجنابة ـ يجيبهم ببيان جملةٍ من الأحكام والكيفيّات بالتفصيل، دون أن يشير لا إلى التمييز بين الرأس والجسد، ولا بين الأيمن والأيسر، مع أنّه في مقام البيان جدّاً. وهذا مؤشرٌ قوي على أنّ الترتيبين المذكورَين لا يعتبران من واجبات الغسل.

ودعوى إجراء قانون التقييد والإطلاق غير مفهومة هنا، فإنّ قوّة السكوت في مقام البيان جدّاً لا تقلّ عن قوّة دلالة الروايات التي اشتملت ـ كما رأينا ـ على مندوبات، بل لعلّ الأرجح كون قوّة السكوت هنا، وهو في مقام البيان، شاهداً إضافيّاً على عدم كون بيان تقديم الرأس على الجسد هناك بنحو اللزوم، تماماً كغيره من الموارد التي اشتملتها تلك الروايات. كما أنّ دعوى أنّ المطلقات هنا واردة لبيان المستحبّات فقط، غير واضحة؛ فإنّ الروايات المطلقة صرّحت بلزوم غسل الجسد والرأس، وهذا ليس بمستحبّ قطعاً.

المجموعة الثالثة: وهي مكوّنة من روايتين:

أ ـ خبر كلّ من زرارة وحريز، والدالّ على وجوب إعادة الغُسل لو غسل جسده كاملاً ونسي رأسه.

وهذا الخبر غايته إثبات مانعيّة تقديم الجسد والانتهاء منه على الرأس، لا لزوم تقديم الرأس على الجسد، فلو غسلهما معاً، فلا دلالة في هذه الرواية على شيء. واللافت أنّهم استندوا لتفادي هذه المشكلة للقول بعدم الفصل، مع أنّ الروايات دالّة على ذلك. والقول بعدم الفصل غايته أنّه إجماع مدركيّ، مرجعه لقولهم باشتراط تقديم الرأس على الجسد لا غير، وإلا لو أسقطوا شرط التقديم فكيف نحرز أنّهم لن يوافقوا على القول بالفصل؟! علماً أنّ هذا الخبر يُحتمل نظره إلى شرط الموالاة في الغسل، فقد عبّر فيه بأنّه mلم يغسل رأسه ثمّ بدا له أن يغسل رأسهn، فيكون معارضاً لما دلّ على نفي شرط الموالاة، لا أنّه دالّ على شرط الترتيب بين الرأس والبدن. بل يمكن فرض احتمالات أخرى فيه أيضاً.

ب ـ خبر حريز الآخر الدالّ بظهوره على لزوم البدء بالرأس.

وهو تامّ، لو غضضنا الطرف عن إشكاليّة عدم إحراز كونه رواية عن الإمام أصلاً، غير أنّه خبر آحادي، بل هو عندي ضعيف السند، ولا نقول بحجيّة خبر الواحد.

هذا كلّه في تقديم الرأس على الجسد، وأمّا تقديم الجانب الأيمن على الأيسر، فقد أجاد غير واحدٍ من المتأخّرين في مناقشة أدلّة الوجوب، وأنّ العمدة لديهم هو أنّ غسل الميت كغسل الجنابة كما ورد في الحديث، مع ثبوت التقديم في غسل الميّت. وجوابه واضح من خلال ما ذكروه، فلا نطيل هنا. بل إنّ أقواها دلالةً في تقديري خبر محمد بن مسلم، وهو ـ على الأرجح ـ ضعيف الإسناد؛ لعدم ثبوت وثاقة إبراهيم بن مهزيار على التحقيق.

([7]) على تقدير الشكّ في تحقّق غسل كلّ عضو، بناء على القول بالترتيب، وإلا فمع عدم القول بالترتيب أو مع عدم الشكّ، لا يجب غسل شيء إضافي من باب المقدّمة.

([8]) استحباباً، وقد سبق التعليق على ذلك في بحث الوضوء.

([9]) الأقرب أنّه لا يشترط كون البدن كله في آنٍ واحد تحت الماء، فلو غطس في الماء بحيث خرج رأسه قبل دخول قدميه ناوياً بذلك الغسل كفى وصحّ ارتماسيّاً، فالمقابلة بين الترتيبي والارتماسي، أو بين الارتماسي وغير الارتماسي بتعبير أدقّ، تكمن في أنّ الارتماسي يحتوي على انغماس البدن كلّه في الماء عرفاً، ولو لم يكن كذلك بالدقّة، فالبدن تمّ غسله عبر رمسه بالماء، لا عبر غسلات متعدّدة.

([10]) بل مقارنةً للحظة غمس البدن في الماء، حتى لو لم يغطّه الماء كلّه في آنٍ واحد، مستمرّةً حتى غمس آخر جزء من البدن، بناءً على شرط النيّة في الغسل.

([11]) استحباباً كما تقدّم.

([12]) قد صار واضحاً مما تقدّم.

([13]) وقد تقدّم التعليق عليها جميعها، فلا نعيد.

([14]) فيه كلام، والأحوط وجوباً تحصيل اليقين ببراءة الذمّة عن التكليف المشغولة به.

([15]) خلافاً للعديد من فقهاء المالكيّة الذي شرطوا الغسل بالموالاة. كما أنّه لا يجب في الغسل الدلك، بمعنى إمرار اليد أو غيرها على ظاهر الجسد عند الغسل، خلافاً لظاهر المالكيّة؛ حيث لم يرد شيء يثبت ذلك في الكتاب والسنّة، ولعلّ منشأه عندهم التيقّن بوصول الماء للبشرة، وإلا فلا دليل عليه. وسيأتي من الماتن الإشارة في مستحبّات الغسل لإمرار اليد على الجسد، ونعلّق عليه هناك إن شاء الله.

([16]) لم تثبت هذه الأفضليّة حتى لو قلنا بحجيّة خبر الواحد الظنّي. نعم قد يتعيّن الغسل الارتماسي كما قد يتعيّن الترتيبي لخصوصيات طارئة، مثل ضيق الوقت عن الترتيبي فيتعيّن الارتماسي، أو كان صائماً وقلنا بمفطريّة رمس الرأس في الماء أو بحرمته تكليفاً على الصائم، فإنّه يتعيّن الترتيبي إذا لم نقبل بتحقّق الارتماس التدريجي.

([17]) بمعنى التخلّي عمّا أنجزه منه حتى الآن والشروع بالآخر من جديد. وما ذكره الماتن يمكن جريانه ـ وفق ما قلناه ـ في الغسل الارتماسي أيضاً، بأن يعدل عنه إلى الترتيبي ـ وإن لم يصحّ على مباني الماتن كما قلنا ـ فلو نزل في الماء بحيث خرج رأسه قبل دخول رجليه، وعدّ رمساً واحداً عرفاً، فيمكنه أن يعدل قبل رمس رجليه في الماء ـ بحيث يتمّ الغسل الارتماسي ـ يمكنه أن يعدل إلى الترتيبي.

([18]) مع طهارة أعضاء الغسل، وإلا فإنّه سوف يتنجّس الماء بالنجاسة التي على البدن، فيختلّ شرط طهارة الماء.

([19]) ويصحّ أيضاً حتى لو اغتسل عالماً ضيق الوقت، ففوّت على نفسه الصلاة في وقتها؛ لعدم عباديّة الغسل كما قلنا، لكنّه يكون فعل حراماً بعدم الصلاة في الوقت.

([20]) إذا كانت هذه الأمور من شؤون الحياة اليوميّة عرفاً ومتطلّباتها المادية فتكون مشمولة للنفقة على تقدير تحقّق التبانيات الاجتماعية العقديّة، فتكون على الزوج، وإلا فلا.

([21]) بل يصحّ في جميع هذه الفروض على ما بنينا عليه من عدم اشتراط النيّة ولا قصد القربة في الغسل.

([22]) هذا كلّه مبنيٌّ على شرط قصد القربة، مع فرض أنّه لا يتأتّى منه قصد القربة في مثل هذه الصور؛ لفرض كون الماء غصبيّاً مثلاً أو ما شابه ذلك، ولمّا بنينا على عدم اشتراط قصد القربة في الغسل، فإنّ الصحيح هو الحكم بصحّة غسله رغم كونه ارتكب محرّماً فيما أقدم عليه.

([23]) إذا ثبت فهو خاصّ بغسل الجنابة دون مطلق الغسل.

([24]) لو ثبت استحباب الإمرار، فالأظهر أنّه خاصّ بالترتيبي، ولا دلالة معتبرةً على شموله للارتماسي. وقد تقدّمت منّا الإشارة آنفاً إلى موضوع الدلك في الغسل.

([25]) لو ثبت استحبابه فهو خاصّ بالجنابة الناشئة عن الإنزال، دون مطلق الجنابة ولو من دون إنزال.

([26]) لم يثبت شيء من هذه المستحبّات جميعها شرعاً.

([27]) قد ظهر الموقف من هذا وشبهه فيما بيّناه سابقاً في بحث الاستبراء وغيره، وظهر أنّ الأمر غيرُ تعبّدي، فلو كانت الخرطات توجب الوثوق النوعي بنقاء المجرى، كفى، وهكذا.

([28]) وجب عليه الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء لما يشترط فيه الطهارة من واجبات كالصلاة، أمّا المحرّمات فما اختصّ بالحدث الأكبر ـ كالمكث في المساجد ـ فلا يثبت فيه تحريم، فيجوز له المكث، وما كان مختصّاً بالأصغر أو مشتركاً بينهما، فالأقرب التحريم حتى يغتسل ويتوضّأ معاً؛ لأنّ خروج المنيّ كخروج البول موجب لتحقّق ناقض الوضوء، فالوضوء منتقضٌ على كلّ حال، فيترتب عليه آثار المحدث بالأصغر في جانب المحرّمات. وإنّما لم نقل ذلك في جانب ما يشترط فيه الطهارة من واجبات؛ لأنّ معلوميّة انتقاض الوضوء لا تساوي معلوميّة ارتفاع الحدث بالوضوء؛ إذ مع احتمال أنّ النقض جاء من حدث الجنابة، لا يكون ارتفاع الحدث الأصغر إلا بالغسل.

([29]) بل يحرم الوضوء في هذه الحال حرمةً تشريعيّة أيضاً، بعيداً عن فكرة تجديد الوضوء.

هذا، والمشهور بين فقهاء الإماميّة المتأخّرين أنّ كل غسلٍ واجبٍ أو مستحبّ ثبت وجوبه أو استحبابه بدليلٍ معتبر، فإنّه يُغني عن الوضوء، لكنّ المنسوب إلى مشهور المتقدّمين قبل القرن العاشر الهجري هو القول بأنّ جميع الأغسال لا تُغني عن الوضوء إلا غسل الجنابة، وقد وقع ذلك موقع الخلاف بين الفقهاء. وذهب بعض الفقهاء المتأخّرين والمعاصرين لعدم إجزاء غير غسل الجنابة عن الوضوء. ومن هؤلاء: السيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد روح الله الخميني، والسيد محمّد رضا الگلپايگاني وغيرهم. ويظهر من السيد محسن الحكيم، والشيخ محمّد تقي بهجت، والشيخ لطف الله الصافي الاحتياط لزوماً في الإتيان بالوضوء. فيما احتاط استحباباً بالوضوء قبل الغسل من غير الجنابة السيدُ علي السيستاني، وقريبٌ منه السيد موسى الشبيري الزنجاني والشيخ جواد التبريزي. وفرّق السيد محمّد صادق الروحاني بأنّ الوضوء مع غسل الجنابة غير مشروع، أمّا مع غيره فغير واجب، لكنّه مشروع.

والأقرب أنّ غسل الجنابة يُغني عن الوضوء بالتأكيد؛ بشهادة الكتاب والسنّة. أمّا سائر الأغسال الواجبة (كغسل الحيض والنفاس ومسّ الميّت..) والمستحبّة (كغسل الجمعة) فلا تُغني عن الوضوء، بمعنى أنّها لا ترفع الحدث الأصغر، ولو رفعت فهي ترفع الحدث الأكبر خاصّة، ولا دليلَ على أنّ الحدَث الأصغر متضمَّن في الحدث الأكبر في غير الجنابة. ويترتّب على ذلك أنّ التيمّم الذي يكون بدلاً عن غسل الجنابة يمكن القول بإغنائه عن الوضوء، دون التيمّم الذي يكون بدلاً عن أيّ غسل واجب أو مستحبّ آخر.

والبحث هنا لا يسعه هذا المختصر، لكن أودّ أن أشير إلى أمرٍ مهمّ هنا، وهو أنّ المعروف بينهم أنّ الروايات هنا متعارضة، لكن قد وقع خلط في تقديري عند بعض العلماء في التمييز بين: أ ـ الوضوء قبل أو بعد الغسل بوصفه جزءاً من الغسل ولو مستحبّاً، وهو الأمر الذي ذهب إليه الكثير من فقهاء أهل السنّة، ويترجّح أن يكون منظور بعض روايات أهل البيت النبوي هو نقد ذلك، والقول ببدعيّة هذا الوضوء.. ب ـ والوضوء بعد الغسل لا بوصفه من أجزائه أو آدابه، بل منفصلٌ عنه تماماً ومرتبطٌ بإحراز شرط الطهارة للصلاة أو الطواف.

وعبر عمليّة التمييز هذه، والتي تُفهم من خلال رصد الفقه السنّي ورواياته، ثمّ مقارنة الروايات عن أهل البيت وتحليل كلمات بعض القدماء.. عبر عمليّة التمييز هذه يقلّ جدّاً عدد الروايات الموثوق بقولها بإجزاء الغسل عن الوضوء. وعمليّة التمييز هذه وإن أوجبت بنوعٍ ما رفع التعارض بين الأخبار بعد التأمّل فيها مجدّداً، لكنّها عقّدت موضوع الاعتماد على فرضية التقية في حلّ تعارض الأخبار لو كان موجوداً. ومن هنا نفهم كيف أنّ مشهور الفقه السنّي الذي يتحدّث عن الوضوء قبل أو بعد الغسل، معبّراً بتعابير من نوع «يسنّ الوضوء في الغسل» هو بعينه يلتزم برافعيّة الغسل للحدث الأصغر والأكبر معاً، اعتماداً على فكرة دخول الطهارة الصغرى في الكبرى، وعملاً بقاعدة: «إنّما الأعمال بالنيّات»، على تقريبٍ ذكروه في محلّه. ولو أعاد الفقيه النظر في مجموع روايات أهل السنّة والشيعة عن النبيّ وأهل بيته معتمداً على مبدأ التمييز المشار إليه آنفاً، فسوف يفهم النصوص هنا بطريقة أفضل بكثير، ولن يخلط بينها.

وعليه، فلا أدلّة الشيعة كافية في إثبات إغناء مطلق الغسل عن الوضوء؛ لأنّها إنّما تكفي ـ بعد ما قلناه ـ بناءً على مسلك حجيّة خبر الواحد الظنّي، لا الخبر الموثوق الاطمئناني؛ بل دلالة بعض الروايات التي اعتمدوا عليها فيها نظر كما أفاد بعض كبار الفقهاء؛ إذ لازم كليّة التعليل في بعضها أنّ الإنسان يمكنه بدل الوضوء أن يغتسل، ولو لم يكن هناك موجبٌ للغسل ولو استحباباً، وهذا معلوم البطلان.. ولا أدلّة أهل السنّة أيضاً، لعدم وجود وجهٍ مقنع فيها فراجع. كما أنّه لم يثبت استحباب الوضوء قبل أو بعد الغسل بوصفه سنّة نبويّة مرتبطة بآداب الغسل وأعماله المسنونة.

([30]) على البيان الذي ذكرناه في مسألة البلل المشتبه.

([31]) بل صحّ الغسل ويمضي به ويكمله، ولا حاجة للوضوء بعده، وإن كان هو الأحوط استحباباً.

([32]) لا فرق بين غسل الاستحاضة المتوسّطة وغيرها من الأغسال غير الجنابة، في أنّه يلزمه الوضوء مطلقاً، عدل من الترتيبي إلى الارتماسي في الأثناء أو أكمل الترتيبيّ؛ إذ لا يوجد غسلٌ يُغني عن الوضوء غير غسل الجنابة، والمفروض أنّ عليه أن يتوضأ بعد هذا الغسل، سواء كان متوضئاً قبله أو لا؛ لفرض انتقاض وضوئه السابق ـ على تقديره ـ بحدثه أثناء الغسل.

([33]) بمعنى بطلان الغسل الأوّل، وهو الأقوى.

([34]) بمعنى أنّه لو أتمّه لارتفع الحدث الأوّل.

([35]) لا فرق بين الارتماسي والترتيبي هنا؛ فله أن يتمّ الغسل الأوّل ويأتي بغسل ثانٍ للحدث الذي وقع أثناء الغسل الأوّل، كما وله أن يترك الغسل الأوّل من حيث وقع الحدث أثناءه، ويستأنف غسلاً جديداً ارتماسيّاً أو ترتيبيّاً؛ فإنّ عدم عباديّة الغسل تعني هنا أنّ ما وقع لم يقع بحيث لا يمكن العود من الأوّل، فله الإعادة لتحقيق المطلوب منه. والتدقيقات التي طرحها الفقهاء هنا وأوجبت ما ذكره الماتن أعلاه هندسيّة وغير وجيهة. بل لو أنّ شخصاً كان يغتسل وفي وسط الغسل أراد أن يرجع ويبدأ من الأوّل، فله ذلك، ولا يلزم من ذلك لا تشريع محرّم ولا بدعة، ولولا بعض النصوص في باب الوضوء لأجزنا غسل الوجه واليدين عشر مرات.

([36]) هذا منه مبنيّ على إجزاء غير الجنابة عن الوضوء، وسيأتي ـ وتقدّم ـ أنّ الحقّ عدم الإجزاء مطلقاً إلا في الجنابة، وعليه فلو كانت تغتسل من غسل الحيض، ثمّ حدث مسّ الميت أثناء الغسل، وجب الوضوء بعد الغسل، سواء أتمّته واغتسلت للثاني أم أعادن من الأوّل؛ لأنّ غسل مسّ الميت كغسل الحيض لا يغني عن الوضوء.

([37]) بل عليه أن يعتني ويعود لغسل الرأس وهكذا، وهذا ليس فقط للقول بعدم جريان قاعدة التجاوز خارج باب الصلاة، بل لعدم وجود أجزاء للغسل أساساً ـ كما تقدّم ـ حتى يتحقّق موضوع قاعدة التجاوز، لكن لو كان من عادته مثلاً تقسيم غسل جسده على قسمين أو ثلاثة، ثمّ بعد أن شرع في الثاني شكّ في أنّه أتى بالأوّل أو لا، فلا يبعد الحكم بالصحّة والبناء على ما مضى بلا حاجة للإعادة، ونكتة ذلك ما ذهب إليه بعض متأخّري المحقّقين من الفقهاء، من أنّ قاعدة الفراغ والتجاوز ليست إلا قاعدة عقلائيّة تمّت الإشارة إليها في النصوص، وعليه فلا فرق في الجزء فيها بين أن يكون جزءاً شرعيّاً أو عقليّاً أو عاديّاً عرفيّاً.

([38]) الأقرب هو كفاية الغسل حتى لو أحدث بالأصغر بعد الصلاة، بلا فرق بين بقاء الوقت أو مضيّه، فإنّ استصحاب عدم الغسل حاكم على المقام، لم يخرج منه سوى صحّة الصلاة؛ لقاعدة الفراغ، فتنحلّ العلوم الإجماليّة المفترضة هنا عندهم.

([39]) وقد أسلفنا التعليق هناك.

([40]) الأقوى عدم إجزاء غير الجنابة عن الوضوء بلا فرق بين الأغسال الواجبة والمستحبّة. لكن في مورد بحثنا حيث لا تشترط النيّة في الأغسال حتى تصحّ، فإنّ وجود غسل الجنابة في حقّه واقعاً كافٍ في صيرورة غسله هذا مجزياً عن الوضوء ولو لم يقصده أو يلتفت إليه، بل حتى لو قصد غيره بنحو الـ "بشرط لا" من حيث غسل الجنابة.

([41]) وسوف يأتي البحث فيها قريباً إن شاء الله.