المتعارف بين الفقهاء أنّه لا يجب في الحجّ والعمرة ذكر الله سبحانه بالتسبيح أو التهليل أو التحميد أو التكبير أو غير ذلك إلا في مواضع محدّدة، كالصلاة اليوميّة التي تصادف في الحجّ أو صلاة الطواف أو التلبية اللازمة في الحجّ مرّة واحدة، أو نحو ذلك. ولا يجب ذكر الله تعالى في أيّ مشعر أو مشهد، بل المطلوب من المكلّف مجرّد الجلوس في عرفات أو منى أو المزدلفة أو مكّة وهكذا، ولو لم يقم بأيّ فعل عبادي أو ذكري أو أيّ فعاليّة روحيّة. بل حتى خارج سياق الحجّ والعمرة، ليس هناك فتوى فقهائيّة عامّة في وجوب ذكر الله على المسلم فيما عدا ذكره لله أثناء الصلاة الواجبة أو عند ذبح الحيوان أو نحو ذلك، نعم هو مستحبّ استحباباً مؤكّداً.
وقد كان هذا الموضوع لَفَتَ انتباهي منذ قرابة ثلاثة عقود، فلم أجد تناسباً بين الفتوى الفقهيّة السائدة وبين حجم النصوص القرآنيّة والحديثيّة الكثيرة الآمرة بذكر الله سبحانه ذكراً كثيراً، وبخاصّة في الحجّ، الأمر الذي دفعني لدراسة هذا الموضوع الذي لا يُبحث في الكتب الفقهيّة بشكل عام، بل يبحث ضمن مواضع خاصّة منه كالتلبية في الحجّ أو ذكر اسم الله على الذبيحة أو الذكر المتضمَّن في الصلوات الواجبة أو تكبيرات أيّام التشريق أو نحو ذلك.
والذي توصّلتُ إليه هو وجوب ذكر الله ـ بما يصدق عليه الذكر الكثير ـ في خصوص الحجّ، فالحاجّ لا يكفيه أن يقول التلبية مرّة واحدة ويكتفي بالذكر الواجب المتضمَّن في الصلوات اليوميّة الواجبة أو في صلاة الطواف، بل عليه في الحجّ أن يكون ذاكراً لله ذكراً كثيراً. والكثرة مسألة عرفيّة هنا بحيث يصنَّف أنّه ذكر الله كثيراً في هذه المناسبة الممتدّة لعدّة أيّام. نعم لو لم يذكر الله كثيراً لا يبطل حجّه لكنّه يكون قد عصاه سبحانه.
بل بمراجعتي للنصوص خارج سياق الحجّ، أميل أيضاً ـ ولا أحسم الآن ـ إلى القول بوجوب أن يكون الإنسان ممّن يصدُق عليه عنوان الذاكر لله في مجمل حياته ويوميّاته، لا بنحو اسم الفاعل المجرّد الصادق على المرّة الواحدة، بل بنحو اسم الفاعل الدالّ على صفةٍ ثابتة ناشئة عن تكرّر الفعل، كما نقول: فلانٌ قارئ، فإنّه لا يُقصد منه أنّه قرأ مرّةً واحدة في عمره، بل يراد منه أنّه شخصٌ كثير القراءة للكتب ومطالعتها أو ليس قليلَ القراءة على الأقلّ.
وبهذا نفهم أنّ النصوص الهائلة في الكتاب والسنّة والتي علّمتنا في مواضع هنا وهناك أن نذكر الله، إنّما تقوم بتسييل المفهوم الواجب العام على مصاديق، فالمؤمن هو الذاكر لله، فإذا أراد الشروع في الأكل مثلاً سمّى، وإذا انتهى حمد وشكر، وإذا ربح مالاً شكر الله، وإذا فقد عزيزاً قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وإذا قال بأنّه يفعل شيئاً غداً فهو يقول: إن شاء الله، وقبل نومه يذكر الله وعند يقظته يستفتح يومه بذكر الله، وهكذا، فكلّ واحدةٍ من هذه مستحبّة، لكنّ المقدار المحقِّق للاتصاف بأنّه «ذاكر لله» واجب احتياطاً.
والنتيجة: إنّ ذكر الله كثيراً في الحجّ واجبٌ، وفي غيره يكون الاحتياط راجحاً جدّاً.
لمزيد توسّع، راجع بحث «الذكر في الحجّ، هل ذكر الله في المشاعر واجب أو مستحبّ؟»، والمنشور في كتابي المتواضع (بحوث في فقه الحجّ: 189 ـ 214، الطبعة الأولى، 2010م).
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 16 ـ 11 ـ 2021م